دعاء الامام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ ، وَلاَ لِعَطائِهِ مانِعٌ ، وَلاَ كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِع ، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ ، فَطَرَ أَجْناسَ الْبَدائِعِ ، وَأَ تْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ ، لاَ تَخْفى عَلَيْهِ الطَّلائِعُ ، وَلاَ تَضِيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ ، جازِي كُلِّ صانِع ، وَرايِشُ كُلِّ قانِع ، وَراحِمُ كُلِّ ضارِ ع ، وَمُنْزِلُ الْمَنافِعِ وَالْكِتابِ الْجامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ ، وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ ، وَ لِلْكُرُباتِ دافِعٌ ، وَ لِلدَّرَجاتِ رافِعٌ ، وَ لِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ ، فَلا إِلهَ غَيْرُهُ ، وَلاَ شَيْءَ يَعْدِلُهُ ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ . اللّهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ مُقِرّاً بِأَ نَّكَ رَبِّي ، وَأَنَّ إِلَيْكَ مَرَدِّي ، ابْتَدَأْتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً ، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُّرابِ ، ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الاْصْلابَ آمِناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ وَالسِّنِينَ ، فَلَمْ أَزَلْ ظاعِناً مِنْ صُلْب إِلى رَحِم فِي تَقادُم مِنَ الاْيَّامِ الْماضِيَةِ وَالْقُرُونِ الْخالِيَةِ لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَأْفَتِكَ بِي [ لى ] وَلُطْفِكَ لِي وَ إِحْسانِكَ إِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ ، لَكِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدَى الَّذِي لَهُ يَسَّرْتَنِي وَفِيهِ أَ نْشَأْتَنِي ، وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وَسَوابِغِ نِعَمِكَ فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ، وَأَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُمات ثَلاث بَيْنَ لَحْم وَدَم وَجِلْد لَمْ تُشْهِدْنِي [ لم تُشَهِّرْنى بِخَلقى ] خَلْقِي ، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الْهُدى إِلَى الدُّنْيا تامّاً سَوِيّاً ، وَحَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً ، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الْغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً ، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَواضِنِ ، وَكَفَّلْتَنِي الاْمَّهاتِ الرَّواحِمَ [ الرَّحآئِم ] ، وَكَلاَتَنِي مِنْ طَوارِقِ الْجانِّ ، وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ ، فَتَعالَيْتَ يَا رَحِيمُ يَا رَحْمنُ ، حَتَّى إِذَا اسْتَهْلَلْتُ ناطِقاً بِالْكَلامِ أَ تْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الاْنْعامِ ، وَرَبَّيتَنِي زائِداً فِي كُلِّ عام ، حَتَّى إِذَا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي [ سَريرَتى ] أَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَنْ أَ لْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ ، وَرَوَّعْتَنِي بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ [ فِطرَتِكَ ] ، وَأَيْقَظْتَنِي لِما ذَرَأْتَ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ ، وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ ، وَأَوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ ، وَفَهَّمْتَنِي مَا جاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ ، وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَوْ نِكَ وَلُطْفِكَ ، ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ خَيْرِ الثَّرى ، لَمْ تَرْضَ لِي يَا إِلهِي نِعْمَةً [ بِنِعْمَة ] دُونَ أُخْرى ، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَ نْواعِ الْمَعاشِ وَصُنُوفِ الرِّياشِ بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ الاْعْظَمِ عَلَيَّ ، وَ إِحْسانِكَ الْقَدِيمِ إِلَيَّ ، حَتَّى إِذا أَ تْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَنِي إِلَى [ عَلى ] مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ ، وَوَفَّقْتَنِي لِما يُزْ لِفُنِي لَدَيْكَ ، فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي ، وَ إِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي ، وَ إِنْ أَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي ، وَ إِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي ، كُلُّ ذلِكَ إِكْمالاً [ إِكمالٌ ] لاِ نْعُمِكَ عَلَيَّ وَ إِحْسانِكَ إِلَيَّ ، فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ مِنْ مُبْدِىً مُعِيد حَمِيد مَجِيد ! وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ ، فَأَيُّ نِعَمِكَ يَا إِلهِي أُحْصِي عَدَداً وَذِكْراً ؟ أَمْ أَيُّ عَطاياكَ أَ قُومُ بِها شُكْراً وَهِيَ يَا رَبِّ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيهَا الْعادُّونَ ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحافِظُونَ ؟ ثُمَّ مَا صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّي اللّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرَّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ الْعافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ ، وَأَ نَا أَشْهَدُ يَا إِلهِي بِحَقِيقَةِ إِيمانِي ، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقِينِي ، وَخالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي ، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي ، وَعَلائِقِ مَجارِي نُورِ بَصَرِي ، وَأَسارِيرِ صَفْحَةِ جَبِينِي ، وَخُرْقِ مَسارِبِ نَفْسِي [ نَفَسى ] ، وَخَذارِيفِ مارِنِ عِرْنِينِي ، وَمَسارِبِ صِماخِ [ سِماخِ ] سَمْعِي ، وَمَا ضُمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ ، وَحَرَكاتِ لَفْظِ لِسانِي ، وَمَغْرَزِ حَنَكِ فَمِي وَفَكِّي ، وَمَنابِتِ أَضْراسِي ، وَمَساغِ مَطْعَمِي وَمَشْرَبِي ، وَحِمالَةِ أُمِّ رَأْسِي ، وَبُلُوعِ فارِ غِ حَبائِلِ عُنُقِي ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تامُورُ صَدْرِي ، وَحَمائِلِ [ جُمَلِ ] حَبْلِ وَتِينِي ، وَ نِياطِ حِجابِ قَلْبِي ، وَأَ فْلاذِ حَواشِي كَبِدِي ، وَمَا حَوَتْهُ شَراسِيفُ أَضْلاعِي ، وَحِقاقُ مَفاصِلِي ، وَقَبْضُ عَوامِلِي ، وَأَطْرافُ أَنامِلِي ، وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَعَصَبِي