ومن أمثلة ذلك: أن يأكل الرجل أو يتصرف في شئ وهو يعتقد أنه مال مغصوب من غيره، ثم يتبين له بعد ذلك أن المال الذي تصرف فيه ماله، ومن أمثلته: أن يشرب مائعا وهو يوقن أن ذلك المائع خمر مسكر، ثم يعلم بعد شربه أنه خل مباح، وأن يجامع امرأة وهو يرى أنها أجنبية عنه يحرم عليه وطؤها، ثم يعلم بعد الجماع أنها زوجته أو أمته، ومن أمثلته: أن يفطر اليوم مختارا وهو يقطع بوجوب صيام ذلك اليوم، ثم يعلم بأنه يوم عيد، فيستحق المكلف العقاب على الفعل في جميع هذه الفروض لتجرئه على مخالفة أمر الله ونهيه، ويجب على المكلفين العالمين بحاله نهيه عن هذا المنكر وإن لم يكن الفعل محرما عليه في الواقع.
[المسألة 20:] من التهافت الصريح في سلوك المكلف والمنافاة البينة للوازم الإيمان ومقتضيات العقل والاتزان في الأمور، بل ومن الهدم الشديد لبناء الشخصية المؤمنة المتماسكة، أن يأمر الإنسان غيره بالمعروف وهو يترك فعله، وأن ينهى سواه عن ارتكاب المنكر وهو لا يرتدع عنه، وقد جاء في بعض الخطب لأمير المؤمنين (ع): (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به)، وعن الرسول صلى الله عليه وآله في وصيته لأبي ذر: (يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار، فيقولون: ما أدخلكم النار وإنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم وتأديبكم؟ فيقولون: إنا كنا نأمركم بالخير ولا نفعله).
[المسألة 21:] تشتد حرمة الشئ المحرم في الشريعة إذا ارتكبه فاعله في الأوقات الشريفة أو في الأمكنة المقدسة، ومن أمثلة ذلك: أن يفعل الشخص الشئ المحرم في أيام شهر رمضان، أو يترك الواجب في أيامه ولياليه، وأن يفعل ذلك في مكة أو في المدينة أو في أحد المشاعر المقدسة وأيام الحج، فتشتد حرمة الحرام ويتضاعف العقاب عليها بسبب ذلك، ويتأكد وجوب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر على المكلفين العالمين بحاله، بل وتشتد الحرمة ويتأكد وجوب الأمر والنهي إذا كان المرتكب من أهل العلم والدين ممن يتظاهر بالتقوى ويكون التكليف فيها بالأمر والنهي أشد تأكدا كما تقدم، وقد يصبح الأمر في ذلك أعظم خطورة وأبلغ أثرا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.