والاطلاع عليه، وغلبته على مجادلة، وحرمة هذا النوع من المماراة لا تختص بالمعتكف، فتكون فيه أشد.
وأما المجادلة إذا أراد بها إحقاق الحق، أو إبطال الباطل، أو إلقاء النور والإيضاح على بعض الأمور، لئلا يلتبس منها ما هو صحيح بما هو فاسد فهي محمودة، بل هي طاعة وعبادة، والفارق بين المذموم والممدوح هو ما يقصده الفاعل في قرارة نفسه، وإن الله لا يخادع في أمره.
وللمجادلات - قبل ذلك - أبعادها وآثارها في نفوس الخاصة من الناس فضلا عن العامة، وللنفس والنزعات والانفعالات طرائقها في الكر والفر وتلوين الأمور وتأويل الكلمات لكسب المواقف، وللشيطان مع ذلك مواقفه ومراصده من نفوس الناس وقلوبهم، ليقرب ويبعد ويضلل ويوهم، والعاقل البصير هو من يتأمل ولا يتعجل، وإن كان سريع الفهم حتى تتبين له قولة الحق فيقولها صريحة من غير التواء، ثم يسكت إذا اقتضى الأمر السكوت، أو تتضح له مراسم الحق من قولة صاحبه فيتبعها من غير تردد ثم يحمد، أو يستبين له غير ذلك فيناقش هادئا وينقد مستفهما مستوضحا، ولا يغلب انفعاله على حقه، أو يسكت سليما غير ظالم ولا مظلوم.
[المسألة 68:] لا يجب على المعتكف أن يجتنب ما يحرم على المحرم بالحج أو بالعمرة، فلا يحرم عليه لبس المخيط مثلا، ولا إزالة الشعر عن البدن، ولا أكل الصيد، ولا عقد النكاح لنفسه أو لغيره، ولا غير ذلك من محرمات الإحرام وتروكه.
[المسألة 69:] الصوم شرط في صحة الاعتكاف وقد تكرر منا ذكر هذا في الفصل الأول، ولذلك فيحرم على المعتكف والمعتكفة تناول جميع المفطرات، كالأكل والشرب والارتماس وتعمد القئ، لأنها محرمة في الصوم، فتكون من المحرمات في الاعتكاف، ويختص تحريمها بالنهار، وأما محرمات الاعتكاف التي بيناها في المسائل المتقدمة من هذا الفصل فلا فرق في تحريمها على المعتكف والمعتكفة بين الليل والنهار، ولا بين أن يكونا في المسجد وأن يكونا في خارجه، كما إذا خرجا منه لقضاء بعض الضرورات.