والحاصل أن مستند النافين ضعيف جدا لا يكفي لاثبات دعواهم وحينئذ فلا مانع من التمسك بالعمومات، خصوصا مع خبر مصعب (1) الوارد في بيان كمية جزية أهل المداين: "... وعلى سفلتهم وفقرائهم اثنا عشر درهما) الذي صريح في مفروغية ثبوت الجزية على الفقراء، ومثله ما في المقنعة عن أمير المؤمنين عليه السلام:...
وجعل على فقرائهم اثني عشر درهما) (2).
ثم إن بعض العامة تمسك لنفي الوجوب بقوله - سبحانه (3) وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة (4).
وأنت خبير بأن الآية واردة في أداء الدين ومفاده مطلوبية الامهال، لا السقوط رأسا، فالآية أجنبية عن المقام، وعلى فرض شمولها له، شاهدة على الثبوت لا على النفي، كما هو واضح جدا.
وللنافين من العامة وجوه أخر، تبتني على طريقتهم في الاستنباط، كالعمل بالقياس، والاعتماد على عمل الأصحاب.
منها: أن الخراج كما لا يوظف على أرض لا يمكن استغلالها، فكذلك الجزية لا توضع على الذمي العاجز بجامع عدم القدرة والطاقة.
حكم الرهبان وأصحاب الصوامع:
المشهور بين الأصحاب وجوب الجزية على الرهبان وأصحاب الصوامع، قال الشيخ في الخلاف: (الشيوخ الهرمي وأصحاب الصوامع والرهبان يؤخذ منهم الجزية، وللشافعي فيه قولان بناء على القولين إذا وقعوا في الأسر هل يجوز قتلهم أم لا، وفي أصحابنا من قال: لا تؤخذ منهم الجزية.
دليلنا على الأول قوله تعالى: " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " (5)