استدل الأصحاب بالعمومات وعدم ثبوت المخصص لها في المقام، وأما الشافعية فاستدلوا على الثبوت بأن الجزية كأجرة الدار، فيستوي فيها أرباب الأعذار وغيرهم.
وأما النافين من العامة فتارة استدلوا على مختارهم بأن هؤلاء لا يلزمهم أصل النصرة بأبدانهم لدار الإسلام لو كانوا مسلمين، فكذلك لا يؤخذ منهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية، وأخرى بأنهم ليسوا من أهل القتال فلا تجب عليهم الجزية، لأنها بدل عن قتلهم (1).
أقول: قد عرفت أن مقتضى رواية حفص بن غياث (2) أن سقوط الجزية دائر مدار حرمة القتل وأن كل كتابي يحرم قتله عند الحرب تسقط عنه الجزية، ولا يبعد اتخاذ هذا المفاد ضابطة في الباب والحكم بأن الجزية تسقط عن هؤلاء، وقد قلنا إن ضعف الرواية بعامية حفص منجبر بعمل الأصحاب في غير هذه المسألة مع أنها مروية في المحاسن للبرقي بإسناده عن أبي أيوب وحفص بن غياث.
وروى الشيخ بسند صحيح عن السكوني عن جعفر عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: اقتلوا المشركين واستحيوا شيوخهم وصبيانهم (3).
هذا مضافا إلى أن الاحتياط حسن على كل حال.
وملاحظة جميع ذلك يقوى القول بالتفصيل بين من كان أهل قتال أو كان ذا رأي وتدبير في المسائل الحربية، فيؤخذ منه الجزية، وبين من لا رأي له في ذلك، أو لم يكن من أهل القتال، فلا تؤخذ منه، وقد عرفت ظهور كلام المبسوط أيضا في هذا التفصيل.
وفي التذكرة أيضا عبارة يمكن استفادة هذا التفصيل منها، قال: " الشيخ من المحاربين إن كان ذا رأي وقتال جاز قتله اجماعا وكذا إن كان فيه قتال ولا