وأما القول الثاني فالقائل به استدل بحديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا بعث أميرا على سرية أو جيش، أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيرا، قال: (إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم: أدعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم أدعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون مثل أعراب المسلمين. يجري عليهم حكم الله الذي كان يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفئ والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.
فإن هم أبوا فادعهم إلى اعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. الحديث) (1).
قال الكحلاني: (في الحديث دليل على أن الجزية تؤخذ من كل كافر كتابي أو غير كتابي عربي أو غير عربي لقوله (عدوك) وهو عام) (2).
قال الشوكاني بعد نقل الحديث: (ظاهره عدم الفرق بين الكافر العجمي والعربي والكتابي وغير الكتابي) (3).
ونوقش هذا الحديث بأنه وارد قبل فتح مكة، بدليل الأمر بالتحول والهجرة من دارهم إلى دار المهاجرين. وآية الأمر بقتال المشركين العامة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (4) نزلت بعد الهجرة، فالحديث منسوخ بالآية المذكورة، أو متأول بأن المراد بكلمة (عدوك) من كان من أهل الكتاب.
وأجيب بأن الحديث كان بعد نزول فرض الجزية، وفرض الجزية كان بعد فتح مكة، إذ كيف يذكر فيه جواز أخذ الجزية مع أن مشروعية أخذها من غير