يصرح بعضهم بذلك، لأن حكمهم القتل عند الجميع.
وأما القول الأول، فاستدلوا عليه بوجوه:
1 - اطلاقات الكتاب الآمرة بقتل الكفار، وقد عرفت نماذج منها.
2 - قوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله. الآية (1) فالله سبحانه أباح أخذ الجزية من أهل الكتاب، فليس لأحد أخذها من غيرهم كعبدة الأوثان لعموم الأمر بالقتال إلى أن يسلم المشركون، فلا يجوز إذن في حق غير أهل الكتاب أو شبههم إلا الإسلام أو القتل.
وقد نوقش هذا الدليل بأنه تمسك بمفهوم الصفة، وهو غير حجة.
وعلى تسليم القول بحجيته، فإن القائلين به ذكروا أن الاحتجاج به لنفي الحكم عما عدا المذكور في الكلام، يكون فيما إذا لم يظهر لتخصيص تلك الصفة بالذكر، فائدة أخرى، وذكر أهل الكتاب في الآية له فائدة، وهي بيان الواقع وهو مقابلة هؤلاء مع أهل الأوثان، فإن الرسول صلى الله عليه وآله بعد ما قضى على أهل الأوثان من العرب لم يبق أمامه إلا أهل الكتاب المجاورون لبلاد العرب، فالآية تفيد أخذ الجزية من أهل الكتاب، ولم تتعرض لأخذها من غيرهم ولا لعدم أخذها.
3 - اطلاقات جملة من الأحاديث مثل ما رواه البيهقي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله (2).
4 - أن صحف إبراهيم وشيث وزبور داود لم تكن فيها شرائع، إنما هي مواعظ وأمثال، فلا تقبل الجزية من أهل هذه الصحف.
أقول: المستفاد من هذا الدليل، دوران أخذ الجزية مدار كون الكتاب كتاب التشريع والأحكام. وفيه تأمل خصوصا مع قول أمير المؤمنين عليه السلام في المجوس:
" كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه " (3)، المستفاد منه كفاية مطلق الكتاب في الحكم.