" دعا أبو عبيدة حبيب بن مسلمة فقال: أردد على القوم الذين كنا صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، فإنه لا ينبغي لنا إذا لا نمنعهم أن نأخذ منهم شيئا وقل لهم: نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح ولا نرجع عنه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما رددنا عليكم أموالكم لأنا كرهنا أن نأخذ أموالكم ولا نمنع بلادكم) (1).
وقال أيضا، يذكر دخول أبي عبيدة الشام: (فأقام أبو عبيدة بدمشق يومين وأمر سويد بن كلثوم القرشي أن يرد على أهل دمشق ما كان اجتبى منهم الذين كانوا أمنوا وصالحوا فرد عليهم ما كان أخذ منهم، وقال لهم المسلمون: نحن على العهد الذي كان بيننا وبينكم ونحن معيدون لكم أمانا) (2).
ولقد صرح ول ديورانت أيضا إلى ما ذكرنا بقوله: (ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء والشيوخ، والعجزة، والعمى والشديد الفقر، وكان الذميون يعفون في نظير هذه الضريبة من الخدمة العسكرية...
ولا تفرض عليهم الزكاة، وكان لهم على الحكومة أن تحميهم) (3).
ولقد أجاد العلامة الشهيد المطهري، حيث قال في هذا المضمار ما حاصله:
(الإسلام يأخذ الجزية من أهلها على سبيل العطية والهبة ليصرفها في مصالح الوطن الإسلامي، وللمدافعة عنهم في موارد الخطر ولعدم تكليفهم بأمر الجهاد مع اشتراكهم المسلمين في منافعه، ولا يأخذها لمحض ترك قتالهم من دون التزام وتعهد لهم والقيام على خدمتهم، حتى يكون هذا بأجا) (4).
فاتضح من جميع هذه الشواهد أن الحكمة في أخذ الجزية من أهل الذمة هو الوجه الخامس، وأن يظهر من بعض عبائر الفقهاء والمفسرين، ولا سيما العامة منهم غير ذلك من الوجوه.