الحيض بالحمل نوعا، وأن وقوعه في أيام الحيض نادر، فيصح أن يقال يرتفع طمثها وأن ارتفاعه قد يكون بالحمل، إلى غير ذلك من التعبيرات، فلا ينافي ذلك قذف الرحم في بعض الأحيان كما في الروايات المتقدمة من أنه ربما قذفت، أو ربما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته. وهذا جمع عقلائي بين الطائفتين، ولا إشكال فيه.
ثم إنه بعد ما قلنا بالجمع في الجملة فالأرجح في الجمع بين روايات الباب مع قطع النظر عن صحيحة الصحاف هو الحكم بالتحيض إذا رأت في أيام العادة، دما كان أو صفرة أو كدرة، والتحيض بالصفات في غيرها، والحكم بالاستحاضة مع الاتصاف بصفاتها، وذلك لأن الروايات على طوائف: منها ما دلت على وجوب ترك الحبلى الصلاة إذا رأت الدم كصحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة صفوان ومرسلة حريز وصحيحتي أبي بصير وسليمان بن خالد ورواية زريق بن الزبير.
وغالب هذه الروايات ليس في مقام بيان أن الدم في زمان الحبل حيض، بل لها إهمال من هذه الجهة، وإنما هي بصدد بيان أن الحبل يجتمع مع الحيض، ولما كان القول بامتناع الاجتماع معروفا وموافقا لفتوى أكثر فقهاء العامة وأشهر مذاهبهم على ما حكي كانت الأسئلة والأجوبة في مقام التعرف لهم والرد عليهم وبيان نكتة قذف الحبلى الدم كقوله " ربما كثر ففضل عنه - أي عن غذاء الولد فدفقته " وكقوله في صحيحة أبي بصير قال: سألته عن الحبلى ترى الدم؟ قال: نعم، إنه ربما قذفت المرأة الدم وهي حبلى.
فلا يمكن مع ذلك استفادة الاطلاق من غيرها أيضا كصحيحة صفوان مما يوهم الاطلاق، ولو فرض إطلاق فيها أو في بعض آخر، فلا إشكال في عدم الاطلاق في غالبها، والاطلاق في البعض على فرض التسليم ضعيف يرفع اليد عنه بما دلت على الرجوع إلى الصفات، فيقيد إطلاقها بما دل على أنه إن كان دما كثيرا فلا تصلي، وإن كان قليلا فلتغتسل عند كل صلاتين، وقوله " إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء " وهذه هي الطائفة الثانية المقيدة للأولى على فرض إطلاقها.