وقلما يكون شئ في العالم كذلك، وهذه القراءات السبع أو العشر لم تمس كرامة القرآن رأسا، ولم يعتن المسلمون بها وبقرائها، فسورة الحمد هذه مما يقرأها الملايين من المسلمين في الصلوات آناء الليل وأطراف النهار، وقرأها كل جيل على جيل، وأخذ كل طائفة قراءة وسماعا من طائفة قبلها إلى زمان الوحي ترى أن القراء تلاعبوا بها بما شاؤوا، ومع ذلك بقيت على سيطرتها، ولم يمس كرامتها هذا التلاعب الفضيح، وهذا الدس القبيح، وهو أدل دليل على عدم الأساس لتواتر القراءات إن كان المراد تواترها عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مؤيدا بحديث وضعه بعض أهل الضلال و الجهل، وقد كذبه أولياء العصمة وأهل بيت الوحي قائلا: إن القرآن واحد من عند واحد. هذا مع أن كلا من القراء على ما حكي عنهم استبد برأيه بترجيحات أدبية وكلما دخلت أمة لعنت أختها! وظني أن سوق القراءة لما كان رائجا في تلك الأعصار فتح كل دكة لترويج مطاعه والله تعالى برئ من المشركين ورسوله صلى الله عليه وآله.
نعم ما هو المتواتر هو القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين وغيرهم، و أما غيره من القراءات والدعاوي فخرافات فوق خرافات، ظلمات بعضها فوق بعض!
وهو تعالى نزل الذكر وحفظه أي حفظ، فإنك لو ترى القرآن في أقصى بلاد الكفر لتراه كما تراه في مركز الاسلام وأيدي المسلمين، وأي حفظ أعظم من ذلك؟!
ثم إنه لو فرضنا تواتر القراءات والاجماع على وجوب العمل بكل قراءة وقع التعارض ظاهرا بين القراءتين، ولكن التأمل في ما أسلفناه يقضي بالجمع العقلائي بينهما بحمل التطهر على الطهر بعد الحيض، فإن رفع اليد عن ظهور التطهر في الفعل الاختياري على فرض تسليمه وحفظ ظهور الصدر الدال على أن المحيض بما هو أذى علة أو موضوع لحرمة الوطئ ووجوب الاعتزال أهون من رفع اليد عن الظهور السياقي للطهر في كونه مقابل الحيض، وعن الظهور القوي للصدر المشعر بالعلية أو الظاهر فيها، فإن الغاية إذا كانت هي الاغتسال فلا بد أن تكون العلة أو الموضوع حدث الحيض، لا الحيض الذي أخذ في الآية موضوعا، بل لا بد وأن يحمل الأذى على التعبدي لا العرفي المعلوم للعقلاء، وكل ذلك خلاف الظاهر، وارتكابه بعيد. و