ضرورة أن استعمال الطهر في المقابل للطمث شائع لغة وعرفا وفي الأخبار المتظافرة، فاختصاصه بها على فرض تسليم الحقيقة الشرعية ممنوع، كما أن حصول الحقيقة الشرعية عند نزول الآية ممنوع، وتقدم الحقيقة الشرعية على العرفية واللغوية لا يخلو من منع. وبالجملة من تأمل الآية الكريمة وخصوصياتها صدرا وذيلا لا يشك في أن المراد من الطهر والتطهر هو زوال الأذى الذي هو المحيض.
ومما ذكرنا يظهر تقريب الدلالة على قراءة الضعيف، فإن صدر الآية كما عرفت ظاهر في أن المحيض الذي هو أذى موجب لوجوب الاعتزال، ومعه تكون الغاية لرفعه هو ارتفاع الأذى، فيصير ذلك قرينة على تعيين أحد المعاني لباب التفعل وهو الصيرورة، وليس في هذا ارتكاب خلاف ظاهر بوجه، ولا يمكن العكس بحمل التطهر على الاغتسال ورفع اليد عن ظهور الصدر، لأن حمله عليه بلا قرينة بل مع القرينة على ضده غير جائز، ويلزم منه حمل صدر الآية على خلاف ظاهره، ضرورة أنه مع كون غاية الحرمة هي الاغتسال لا يكون المحيض الذي هو أذى سببا لوجوب الاعتزال، بل لا بد وأن يكون حدث الحيض مما هو باق بعد رفعه سببا له، مع أنه خلاف ظاهر بارد بلا قرينة وشاهد، وبالجملة دار الأمر بين حفظ ظهور الصدر وقرينيته لتعيين أحد المعاني للفظ المشترك، وبين حمل اللفظ المشترك على بعض معانيه بلا قرينة ورفع اليد عن ظاهر آخر بلا وجه.
فتحصل مما ذكرنا أن ما عليه أصحابنا هو الظاهر من الآية الشريفة بعد ملاحظة الصدر والذيل وقرينية بعض الكلام المبارك لبعض، وعليه فلا مجال للدعاوي التي في الباب خصوصا ما فصل شيخنا الشهيد في الروضة من الوجوه الكثيرة، وتبعه في بعضها الشيخ الأعظم مع إضافات غير وجيهة.
هذا مع أن ترجيح قراءة التخفيف على التضعيف كالنار على المنار عند أولي الأبصار، ضرورة أن ما هو الآن بين أيدينا من الكتاب العزيز متواتر فوق حد التواتر بالألوف والآلاف، فإن كل طبقة من المسلمين وغيرهم ممن يبلغ الملايين أخذوا هذا القرآن بهذه المادة والهيئة عن طبقة سابقة مثلهم في العدد، وهكذا إلى صدر الاسلام