أقول: بل الانصاف أن هذا الكلام بمكان من الضعف، ولا يساعده العقل ولا العرف، فإن تكرر الطبائع بتكرر الأفراد من المرتكزات العرفية التي تساعدها العقول، ألا ترى أن علامة التثنية والجمع الداخلة على الطبائع إنما هي لتكثير مدخولها، وليس في نظر العرف العام وأهل اللغات في مثلها مسامحة وتجوز، وليس ذلك إلا لما ارتكز في أذهانهم من قبول الطبائع الكثرة.
وما قرع الأسماع من أن المهية من حيث هي ليست إلا هي أمر غير مربوط بالمقام وليس المراد منه أنها لا تقبل الكثرة كما أشار إليه في صدر كلامه بقوله " إن الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار " ولهذا قال بعض أئمة الفن: إن المهية لما لم تكن كثيرة ولا واحدة كثيرة وواحدة. وما أفاد وفصل هذا المحقق الهمداني هو ما ذهب إليه الرجل الهمداني الذي صادف الشيخ أبا علي بمدينة " همدان " ونحن لسنا بصدد إثبات المطلوب بالوجوه العقلية البعيدة عن هذا المضمار، لكن المدعى أن العرف أيضا مساعد لما عليه العقل في هذا المقام.
فتحصل مما ذكر أن في إثبات استقلال كل مصداق للطبيعة بالسببية لا نحتاج إلى إثبات جعل السببية للأفراد، بل جعل السببية لنفس الطبيعة بلا قيد يثبت المطلوب، فما في تقريرات بعض أعاظم فن الأصول من إتعاب النفس لارجاع القضايا الشرطية إلى القضايا الحقيقية وإثبات أن كل فرد سبب مستقل، غير محتاج إليه.
مع أن أصل الدعوى غير تام كما حقق في محله. هذا كله حال السبب.
وأما المسبب في المقام فتارة يكون حكما تكليفيا مثل قوله " يجب عليه في استقبال الحيض دينار " أو قوله " يتصدق بدينار " أو " عليه أن يتصدق " مما هو بمنزلة إيجاب التصدق، وأخرى يكون حكما وضعيا كقوله في رواية أبي بصير " من أتى حائضا فعليه نصف دينار ويتصدق به " فإن كان الجزاء على النحو الثاني مما هو ظاهر في الوضع ويستفاد منه العهدة والضمان لنفس الدينار يقع التعارض بين إطلاق الجزاء وإطلاق الشرط، ولازم إطلاق الشرط هو سببية الطبيعة مطلقا للضمان، ولازم إطلاق الجزاء هو كون الجزاء نفس الطبيعة، وليس الضمان لنفس طبيعة الدينار