ضَمَائِرَ حَوَتْ مِنَ الْعِلْمِ بِكَ حَتَّى صَارَتْ خَاشِعَةً ، وَعَلَى جَوارِحَ سَعَتْ إِلَى أَوْطانِ تَعَبُّدِكَ طَائِعَةً ، وَ أَشارَتْ بِاسْتِغْفارِكَ مُذْعِنَةً ، مَا هَكَذَا الظَّنُّ بِكَ ، وَلاَ أُخْبِرْنا بِفَضْلِكَ عَنْكَ يا كَرِيمُ يا رَبِّ وَأَ نْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي عَنْ قَلِيل مِنْ بَلاءِ الدُّنْيا وَعُقُوباتِها ، وَمَا يجْرِي فِيها مِنَ الْمَكَارِهِ عَلَى أَهْلِها ، عَلى أَنَّ ذلِكَ بَلاءٌ وَمَكْرُوهٌ قَلِيلٌ مَكْثُهُ ، يسِيرٌ بَقاؤُهُ ، قَصِيرٌ مُدَّتُهُ ، فَكَيفَ احْتِمالِي لِبَلاءِ الاْخِرَةِ وَجَلِيلِ وُقُوعِ الْمَكَارِهِ فِيها ؟ وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ ، وَيدُومُ مَقامُهُ ، وَلاَ يخَفَّفُ عَنْ أَهْلِهِ ، لاِنَّهُ لاَ يكُونُ إِلاَّ عَنْ غَضَبِكَ وَانْتِقامِكَ وَسَخَطِكَ ، وَهذا ما لاَ تَقُومُ لَهُ السَّماواتُ وَالاْرْضُ ، يا سَيدِي فَكَيفَ بِي وَأَ نَا عَبْدُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ ، الْحَقِيرُ الْمِسْكِينُ الْمُسْتَكِينُ ؟ يا إِلهِي وَرَبِّي وَسَيدِي وَمَوْلاي ، لاِي الاْمُورِ إِلَيكَ أَشْكُو ، وَ لِمَا مِنْها أَضِجُّ وَأَبْكِي ، لاِلِيمِ الْعَذابِ وَشِدَّتِهِ ، أَمْ لِطُولِ الْبَلاَءِ وَمُدَّتِهِ . فَلَئِنْ صَيرْتَنِي لِلْعُقُوبَاتِ مَعَ أَعْدائِكَ ، وَجَمَعْتَ بَينِي وَبَينَ أَهْلِ بَلاَئِكَ ، وَفَرَّقْتَ بَينِي وَبَينَ أَحِبَّائِكَ وَأَوْ لِيائِكَ ، فَهَبْنِي يا إِلهِي وَسَيدِي وَمَوْلاي وَرَبِّي ، صَبَرْتُ عَلَى عَذابِكَ ، فَكَيفَ أَصْبِرُ عَلَى فِراقِكَ ، وَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نَارِكَ ، فَكَيفَ أَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى كَرامَتِكَ ؟ أَمْ كَيفَ أَسْكُنُ فِي النَّارِ وَرَجائِي عَفْوُكَ ؟ فَبِعِزَّتِكَ يا سَيدِي وَمَوْلاي أُقْسِمُ صَادِقاً ، لَئِنْ تَرَكْتَنِي نَاطِقاً لاَضِجَّنَّ إِلَيكَ بَينَ أَهْلِها ضَجِيجَ الاْمِلِينَ ، وَلاَصْرُخَنَّ إِلَيكَ صُراخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَلاَ بْكِينَّ عَلَيكَ بُكَاءَ الْفَاقِدِينَ ، وَلاَنادِينَّكَ أَينَ كُنْتَ يا وَ لِي الْمُؤْمِنِينَ ، يا غَايةَ آمالِ الْعارِفِينَ ، يا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، يا حَبِيبَ قُلُوبِ الصَّادِقِينَ ، وَيا إِلهَ الْعالَمِينَ . أَفَتُراكَ سُبْحَانَكَ يا إِلهِي وَبِحَمْدِكَ تَسْمَعُ فِيها صَوْتَ عَبْد مُسْلِم سُجِنَ فِيها بِمُخالَفَتِهِ ، وَذاقَ طَعْمَ عَذابِها بِمَعْصِيتِهِ ، وَحُبِسَ بَينَ أَطْباقِها بِجُرْمِهِ وَجَرِيرَتِهِ ، وَهُوَ يضِجُّ إِلَيكَ ضَجِيجَ مُؤَمِّل لِرَحْمَتِكَ ، وَينادِيكَ بِلِسانِ أَهْلِ تَوْحِيدِكَ ، وَيتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِرُبُوبِيـتِكَ ؟ يا مَوْلاي فَكَيفَ يبْقى فِي الْعَذابِ وَهُوَ يرْجُو مَا سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ ؟ أَمْ كَيفَ تُؤْ لِمُهُ النَّارُ وَهُوَ يأْمُلُ فَضْلَكَ وَرَحْمَتَكَ ؟ أَمْ كَيفَ يحْرِقُهُ لَهِيبُها وَأَ نْتَ تَسْمَعُ صَوْتَهُ وَتَرى مَكانَهُ ؟ أَمْ كَيفَ يشْتَمِلُ عَلَيهِ زَفِيرُها وَأَ نْتَ تَعْلَمُ ضَعْفَهُ ؟ أَمْ كَيفَ يتَقَلْقَلُ بَينَ أَطْباقِها وَأَ نْتَ تَعْلَمُ صِدْقَهُ ؟ أَمْ كَيفَ تَزْجُرُهُ زَبانِيتُها وَهُوَ ينادِيكَ يا رَبَّهُ ؟ أَمْ كَيفَ يرْجُو فَضْلَكَ فِي عِتْقِهِ مِنْها فَتَتْرُكُهُ فِيها ، هَيهاتَ ما ذلِكَ الظَّنُ بِكَ ، وَلاَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ ، وَلاَ مُشْبِهٌ لِمَا عَامَلْتَ بِهِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ بِرِّكَ وَ إِحْسانِكَ ، فَبِالْيقِينِ أَقْطَعُ ، لَوْلاَ مَا حَكَمْتَ بِهِ مِنْ تَعْذِيبِ جَاحِدِيكَ ، وَقَضَيتَ بِهِ مِنْ إِخْلادِ مُعانِدِيكَ ، لَجَعَلْتَ النَّارَ كُلَّها بَرْداً وَسَلاماً ، وَمَا كانَ لاِحَد فِيها مَقَرّاً وَلاَ مُقاماً ، لَكِنَّكَ تَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ أَقْسَمْتَ أَنْ تَمْـلاَها مِنَ الْكَافِرِينَ ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَأَنْ تُخَلِّدَ فِيهَا الْمُعانِدِينَ ، وَأَ نْتَ جَلَّ ثَناؤُكَ قُلْتَ مُبْتَدِئاً ، وَتَطَوَّلْتَ بِالاْنْعامِ مُتَكَرِّماً ، أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يسْتَوُونَ . إِلهِي وَسَيدِي ، فَأَسْأَ لُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتِي قَدَّرْتَها ، وَبِالْقَضِيةِ الَّتِي حَتَمْتَها وَحَكَمْتَها ، وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيهِ أَجْرَيتَها ، أَنْ تَهَبَ لِي فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ وَفِي هَذِهِ السَّاعَةِ ، كُلَّ جُرْم أَجْرَمْتُهُ ، وَكُلَّ ذَ نْب أَذْ نَبْتُهُ ، وَكُلَّ قَبِيح أَسْرَرْتُهُ ، وَكُلَّ جَهْل عَمِلْتُهُ ، كَتَمْتُهُ أَوْ أَعْلَنْتُهُ ، أَخْفَيتُهُ أَوْ أَظْـهَرْتُهُ ، وَكُلَّ سَيئَة أَمَرْتَ بِإِثْباتِهَا الْكِرامَ الْكاتِبِينَ ، الَّذِينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ مَا يكُونُ مِنِّي ، وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَي مَعَ جَوارِحِي ، وَكُنْتَ أَ نْتَ الرَّقِيبَ عَلَي مِنْ وَرائِهِمْ ، وَالشَّاهِدَ لِما خَفِي عَنْهُمْ ، وَبِرَحْمَتِكَ أَخْفَيتَهُ ، وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ ، وَأَنْ تُوَفِّرَ حَظِّي ، مِنْ كُلِّ خَير تُنْزِلُهُ ، أَوْ إِحْسان تُفْضِلُهُ ، أَوْ بِرٍّ تَنْشِرُهُ ، أَوْ رِزْق تَبْسِطُهُ ، أَوْ ذَ نْب تَغْفِرُهُ ، أَوْ خَطَاً تَسْتُرُهُ ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، يا إِلهِي وَسَيدِي وَمَوْلاي وَمالِكَ رِقِّي ، يا مَنْ بِيدِهِ نَاصِيتِي ، يا عَلِيماً بِضُرِّي وَمَسْكَنَتِي ، يا خَبِيراً بِفَقْرِي وَفاقَتِي ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، أَسْأَ لُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ وَأَعْظَمِ صِفاتِكَ وَأَسْمائِكَ ، أَنْ تَجْعَلَ أَوْقاتِي فِي اللَّيلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً ، وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً ، وَأَعْمالِي عِنْدَكَ مَقْبُولَةً ، حَتَّى تَكُونَ أَعْمالِي وَأَوْرادِي كُلُّها وِرْداً وَاحِداً ، وَحالِي فِي خِدْمَتِكَ سَرْمَداً . يا سَيدِي يا مَنْ عَلَيهِ مُعَوَّلِي ، يا مَنْ إِلَيهِ شَكَوْتُ أَحْوالِي ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ ، قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحِي ، وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزِيمَةِ جَوانِحِي ، وَهَبْ لِي الْجِدَّ فِي خَشْيتِكَ ، وَالدَّوامَ فِي الاتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ ، حَتّى
(١٢٧)