فجعلت انظر اليهم صرعى ولم يواروا، فعظم ذلك في صدري واشتد لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي عليه السّلام فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي واخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع واهلع، وقد أرى سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعرى، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر؟ فقالت: لا يجزعنّك ما ترى، فواللَّه ان ذلك لعهد من رسول اللَّه إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ اللَّه ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره الّا ظهوراً وأمره الّا علواً» «1».
وروى الشيخ الطوسي عن الصادق عليه السلام قال: «أصبحت يوماً أم سلمة رضي اللَّه عنها تبكي، فقيل لها: مم بكاؤك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين الليلة، وذلك أنني ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله منذ مضى الّا الليلة، فرأيته شاحباً كئيباً فقالت: قلت: ما لي أراك يا رسول اللَّه شاحباً كئيباً؟ قال: ما زلت الليلة احفر القبور للحسين وأصحابه عليه وعليهم السلام» «2».
وروى باسناده عن ابن كثير قال: «قدمت الكوفة في المحرم سنة احدى وستين منصرف علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة من كربلاء ومعهم الاجناد