التزكية والتعليم
لقد قبل الإمام الحسن عليه السّلام بالصلح للأسباب التي تقدم ذكرها في فصل خلافته، وكان همه الأول الحفاظ على الدين والشيعة، لذلك فقد عاد من الكوفة إلى المدينة المنورة مهبط وحي جده الرسول صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، وراح ينشر العلم بين الأصحاب وانصرف إلى تربيتهم وارشادهم.قال محمّد بن طلحة الشافعي: «كان اللَّه عزّوجل قد رزقه الفطرة الثاقبة في إيضاح مراشد ما يعاينه، ومنحه الفطنة الصائبة لإصلاح قواعد الدين ومبانيه، وخصه بالجبلة التي درت لها احلاف عادتها بصور العلم ومعانيه ومرت لها أطباء الأهتداء من تجدي جده وأبيه فيجى بفكرة منجيه نجاح ما يقتضيه، وقريحة مصحبة في كل مقام يقف فيه، ثم اكتنفه الأصلان الجد والأب، وفي المثل السائر:
وَلَد الفقيه نصف الفقيه، وكان يجلس في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ويجتمع الناس حوله فيتكلم بما يشفي غليل السائلين ويقطع حجج القائلين» «1».
وروى ابن عساكر عن أبي سعيد: «أن معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش: أخبرني عن الحسن بن علي، قال: يا أمير المؤمنين، إذا صلى الغداة جلس في مصلّاه حتى تطلع الشمس ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله رجل له شرف إلّاأتاه فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار، صلى ركعتين ثم نهض، فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن فربما أتحفنه ثم ينصرف إلى منزله، ثم يروح فيصنع مثل ذلك، فقال معاوية: ما نحن معه في شي ء» «2».