قال ابن أبي الحديد: «وأمّا الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن مذنب واصفحهم عن مسي ء، وقد ظهرت صحة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان أعدى النّاس له واشدّهم بغضاً فصفح عنه وكان عبد اللَّه بن الزبير يشتمه على رؤس الأشهاد، وخطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم الوغد اللّئيم عليّ ابن أبي طالب. وكان علي عليه السلام يقول: ما زال الزّبير رجلًا منّا أهل البيت حتى شب عبد اللَّه، فظفر به يوم الجمل، فأخذه أسيراً فصفح عنه وقال: اذهب فلا أرينك، لم يزده على ذلك، وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكّة وكان له عدوّاً فأعرض عنه ولم يقل له شيئاً، وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره فلمّا ظفر بها اكرمها وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عمّمهنّ بالعمائم وقلدهنّ بالسيوف، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأفّفت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الّذين وكّلهم بي، فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهنّ وقلن لها: انّما نحن نسوة. وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيف وسبوه ولعنوه فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم ونادى مناديه في اقطار العسكر: ألا لا يتّبع مولِّ ولا يجهز على جريح ولا يقتل مستأسر، ومن القى سلاحه فهو آمن، من تحيّز الى عسكر الإمام فهو آمن، ولم يأخذ اثقالهم ولا سبى ذراريهم ولا غنم شيئاً من اموالهم ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لفعل، ولكنه أبى الَّا الصفح والعفو وتقيّل سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يوم فتح مكة
(٥٠)