فانه عفا والأحقاد لم تبرد والاساءة لم تنس، ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات وقالت رؤساء الشام له اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً، سألهم علي عليه السلام وأصحابه ان يسوغوا لهم شرب الماء فقالوا: لا واللَّه ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفّان، فلما رأى عليه السلام انه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤس والأيدي، وملكوا عليهم الماء وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم فقال له اصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم منه قطرة واقتلهم بسيوف العطش وخذهم قبضاً بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب فقال: لا واللَّه لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حد السيف ما يغني عن ذلك. فهذه إن نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالًا وحسناً، وان نسبتها إلى الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام» «1».
(٥١)