وقال: «روى عليّ بن محمّد بن أبي يوسف المدائني عن فضيل بن الجعد، قال: آكد الاسباب في تقاعد العرب عن أميرالمؤمنين عليه السلام أمر المال، فانّه لم يكن يفضل شريفاً على مشروف، ولا عربيّاً على عجمي ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل، كما يصنع الملوك، ولا يستميل أحداً إلى نفسه، وكان معاوية بخلاف ذلك، فترك النّاس عليّاً والتحقوا بمعاوية، فشكى علي عليه السلام إلى الأشتر تخاذُل اصحابه وفرار بعضهم إلى معاوية، فقال الأشتر: يا أميرالمؤمنين، إنّا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة، ورأي النّاس واحد، وقد اختلفوا بعد وتعادوا وضعفت النيّة، وقلّ العدد، وأنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشّريف، فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع، فضجّت طائفة ممّن معك من الحق اذ عمُّوا به واغتموا من العدل، اذ صاروا فيه، ورأوا صنايع معاوية عند أهل الغناء والشرف، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، وقلّ من ليس للدنيا بصاحب وأكثرهم يجتوي الحق ويشتري الباطل، ويؤثر الدّنيا، فان تبذل المال يا أميرالمؤمنين تمل اليك اعناق الرّجال، وتصفُ نصيحتهم لك وتستخلص ودّهم، صنع اللَّه لك يا أمير المؤمنين وكبت اعداءك وفضّ جمعهم وأوهن كيدهم وشتّت امورهم. انّه بما يعملون خبير.
فقال عليّ عليه السلام: أمّا ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل، فانّ اللَّه عزّوجل يقول:«مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ» «1» وأنا من أن أكون مقصّراً فيما ذكرت أخوف وامّا ما ذكرت من ان الحقّ ثقل عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم اللَّه انهم لم يفارقونا من جور، ولا لجأوا اذ فارقونا إلى