شرح العروة الوثقى - السيد محمد باقر الصدر - ج ١ - الصفحة ٢١٦

____________________
هي التي تقتضي حكومة رواية حريز على تمام أدلة الاعتصام. دون العبارة الثانية التي لا تستبطن افتراض حكم مفروغ عنه بالاعتصام وعدم الانفعال بالملاقاة، وإنما تتصدى هي لبيان ذلك في عرض تصديها لبيان أن الماء ينفعل بالتغير.
العاشر: أن دليل اعتصام الكر ودليل الانفعال بالتغير - وإن كانا متعارضين بالعموم من وجه غير أن تقديم دليل الانفعال على دليل الاعتصام في مادة التعارض لا يلزم منه إلغاء دليل الاعتصام رأسا، بخلاف تقديم دليل الاعتصام على دليل الانفعال، فإنه يلزم منه إلغاء دليل الانفعال رأسا، وفي حالة من هذا القبيل يقدم دليل الانفعال.
وتوضيحه - إن مفاد رواية حريز مثلا - التي تمثل دليل الانفعال بالتغير - هو إناطة النجاسة بالتغير، بمعنى أن النجاسة تابعة للتغير نفيا، وإثباتا، فالماء لا ينجس بالملاقاة غير المغيرة وينجس بالملاقاة المغيرة. وأما قوله " إذا بلغ الماء قدر كر لا ينسه شئ " الذي يمثل دليل الاعتصام. فله منطوق ومفهوم، مقتضى إطلاق منطوقه أن الكر لا ينجس بملاقاة النجس مطلقا، سواء كانت مغيرة أو لا، ومقتضى إطلاق مفهومه أن غير الكر ينجس بالملاقاة، النجس، سواء كانت مغيرة أو لا (1).
ومن الواضح أن كلا من المنطوق والمفهوم لو لو حظ بصورة مستقلة فهو معارض لرواية حريز بنحو العموم من وجه، فالمنطوق ينفي باطلاقه تنجس الكر بالتغير، بينما رواية حريز تثبت باطلاقها أن الكر ينجس بالتغير، والمفهوم يثبت باطلاقه تنجس القليل بالملاقاة غير المغيرة. بينما رواية حريز تنفى باطلاقها تنجس القليل بمجرد الملاقاة. فرواية حريز إذن معارضة لكل من إطلاق المنطوق وإطلاق المفهوم بنحو العموم من وجه، فلو قدمنا

(1) إن قيل: سوف يأتي في محله إن شاء الله تعالى أن القضية الشرطية: " الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شئ " ليس لها مفهوم على نحو الموجبة الكلية، وإنما مفهومها الموجبة الجزئية، عليه فلا يمكن استفادة الاطلاق من مفهومها لكل من الانفعال بالملاقاة والانفعال بالتغير، إذ لعل المقدار المندرج تحت هذا المفهوم الجزئي هو الانفعال بالتغير فحسب، ومعه لا يكون المفهوم معارضا مع رواية حريز، بل المعارضة بينها وبين إطلاق المنطوق فقط.
قلنا: إننا تارة نستظهر من كلمة " لا ينجسه شئ " الاطلاق الأفرادي لكل من الملاقاة والتغير، بمعنى أن يكون التغير شيئا منجسا على حد سائر الأشياء والأفراد المنجسة، فهنالك لا نستطيع اثبات الاطلاق في المفهوم للملاقاة المغيرة وغير المغيرة. بعد أن كان مفهوم القضية الشرطية جزئية لا كلية، أي " إن الماء إذا لم يبلغ قدر كر فينجسه بعض الأشياء ".
فلعل هذا البعض هو التغير.
وتارة أخرى نقول: إن مناسبات الحكم، والموضوع تأبى من أن يندرج التغير تحت الاطلاق الأفرادي لكلمة " شئ " باعتبار أن المركوز عرفا في باب الاستقذار والتقذر كون النجس هو الملاقي النجس، وحتى في حالات التغير يكون الانفعال بالملاقي ولا يلحظ التغير إلا بوصفه مزيد تأثير للملاقي النجس في الماء.
إذن. فكلمة " شئ " في " لا ينجسه شئ " اطلاقها الأفرادي عبارة عن الأشياء النجسة التي يلاقيها الماء لا التغير، فإنه ليس فردا من هذا الاطلاق، نعم هو مشمول لاطلاق آخر هو الاطلاق الأحوالي في كلمة " شئ "، حيث أن الملاقي المنجس تارة يكون مغيرا للماء وأخرى لا يكون مغيرا، ومقتضى الاطلاق الأحوالي ثبوت الانفعال للماء القليل في كلتا الحالتين.
وهذا الاطلاق ثابت في مفهوم القضية الشرطية، سواء كان مفهومها بلحاظ أفراد النجس كليا أو جزئيا، على ما يتضح ذلك لدى التعرض إلى النكات الفنية في تحديد مدلول هذه القضية الشرطية منطوقا ومفهوما في بحث الماء الراكد إن شاء الله تعالى.
(٢١٦)
مفاتيح البحث: النجاسة (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 214 216 222 226 227 228 229 ... » »»
الفهرست