للحرارة في التصعيد ودخول المسالك النفسانية فيطرب وذلك هو الاختلاط وقد يكون أحد جنبي الدماغ أضعف فيمتلئ أولا لبطلان الخلاء وضرورة ضبط البخار ومن هنا يلزم صحو الأقوى بسرعة لان الصاعد بلطف يتحلل كذلك وبهذا يعلم أن الدماغ به يكون أثقل من الغذاء وإن كان هو أخف وأن تفريحه بسبب تكثير الروح وإخراجها تدريجا وإيجابه الشجاعة والسخاء وحسن الادراك بتقوية القلب وبسط الحرارة لان أضدادها بأضداد ذلك وأن اختلاف الناس فيه باعتبار الأخلاق مستند إلى لطف الخلط وعدمه سواء وقعت الحالة أولا أو وسطا أو آخرا فان الدموي يسر به كثيرا مطلقا إن لطف وإلا فان سر أو لا فلقرب اعتداله أو وسطا فللطف الأكثر منه وإلا فلكثافته وهكذا يقال فيمن يحدث منه الغم والبكاء فإنه إن دام فلفرط كثافة السوداء أو حدث أولا فلرقتها وسرعة إزالة الشراب ذلك أو وسطا فلاعتدالها وهكذا الغضب وسوء الخلق في الصفراء والسكوت في البلغم وأما كراهته أولا واستلذاذه ثانيا فلكمال الاشعار بالادراك قبل الشراب ونقصه تدريجا بعده وأما من عرض له صداع ثانيا مفرط وكرب وغثيان فذلك إنما هو لحرارة مزاجه ومعدته فيستحيل للطفه فيها مرارا وربما خرج بالقئ زنجاريا ونحوه وهؤلاء ينبغي أن لا يستعملوا منه إلا الأبيض ويسقون الشراب بنحو البذر قطونا ويستعملون معه كل قابض وحامض وعطري كالزرشك والرمان والطباشير والصندل الأحمر وقرص الكافور وعكس ذلك من وجد بعده الجشاء الحامض وسوء الهضم فان الشراب قد انقلب عنده خلا للبرد فيأخذ كالفلافلي والفوتنجي والسعد والقرنفل ومن لم يطلق الاستكثار منه وأراده فلا يمتلئ من الطعام فان فعل تقايأه ثم نقى المعدة بالاورمالى وغسل الوجه بالماء والخل ثم يتناول فلا يضر وإلى أمثال هذه العوارض أشرنا إلى أن شرط الشراب الأجود أن كون منتقلا فان ذلك دليل اللطف وأن يكون مع انتقاله مناسبا للاخذ في نحوسن وبلد وزمن وغيرها معتدلا في جميع صفاته بين البياض والحمرة والرقة والغلظ قواما طيب الرائحة كالريحاني إلى غير ذلك حتى في الزمان فلا التفات إلى ما شاع من أنه كلما قدم كان أجود لان القديم كثير النارية سريع الاستحالة والحديث مسدد منفخ فإن لم يوجد ما ذكرنا فالممزوج بثلثه من الماء العذب بعد طبخه إلى ذهاب الماء كذا قرره الشيخ والمتجه أن هذا بارد المزاج وأن قليل المصعد المعروف الآن بالعرقي خير للمشايخ والمبرودين والأدمغة الضعيفة والمعد المزلقة والأحمر لواسع العروق والرقيق لضيقها وإذا وقع على الشرط الذي ذكرناه كل خمسة عشر يوما مرة سر النفس وصفى الفكر والذهن وقوى الحواس والبدن واستأصل شأفة الاخلاط كلها وقيل كل شهر مرة وأما الاكثار منه والامتلاء به وأخذه على الريق فضار جدا يحدث الرعشة والتشنج والفالج وضعف العقل وفوق الاكل المفاصل ونحوها، ومن أراد أن يبطئ بالسكر فليأخذ قبله البزرقطونا والكرنب والمر والرمان، ومن أراد سرعته بلا ضرر فليمزج فيه الزعفران أو يمرس فيه الياسمين والحماض البستاني والكبابة والبسباسة أو يضر فالبنج والأفيون ووسخ أذن الحمار وعرق الجمل، وأما ما يزيل رائحته فالكزبرة والنعناع والثوم والقاقلا والزرنباد أكلا وغرغرة فان ذلك مع قطع رائحته يقوى فعله في الهواضم والاحشاء لاجتماع عطريتها ولطف الشراب. واعلم أنها مع الزعفران تجبر العظام وتشد القلب والكبد وتبعث على تفريح وسرور زائدين ومتى شربت على الطعام فإن كانت رقيقة لم تعظم نكايتها وإلا اشتدت وقد علمت صناعة الخمر إجمالا وأن ألوانها إما بالأصل أو المزج، وأما تفصيلها فأن تجعل بعد العصر في مزفت أو مقير فمن أرادها رقيقة شمسها لكن يكون إسكارها ضعيفا وقد يغلى ماء العنب حتى يذهب ربعه ويوعى
(١٤٥)