إن الباحث وهو يقف على هذه الثوابت لا يخشى خلوا عن الاعتقاد الذي يضمن له البقاء على عقيدة الإسلام، وإن كان ربما اكتنفه النقص من حيث آخر، لأن الإيمان بالله وبرسوله وكتابه ومفارقته فيما أمر الناس به خلل صريح في عقيدة المخالف عن عمد بعد العلم به، ونقص في عقيدة المخالف بلا عمد لجهله بالأمر. وهو لا يعذر لجهله هذا، فما عليه إلا البحث والتحقيق لإزالة الجهل أو الظن أو الوهم لإكمال هذا النقص الواضح، . وهذا هو المطلوب التحقيق فيه، ذلك لأنه لو كان الإيمان بالله وبرسوله وكتابه كافيا لنجاة الناس لما كانت الفرقة الناجية واحدة. ولما اختلف الناس فصاروا مذاهب وفرقا تسعى كل واحدة منها لإبطال اعتقاد الأخرى.
فالإيمان بالله وبرسوله وكتابه هي السمة المشتركة بين كل الفرق المختلفة والمتخالفة، ولا نجد فرقة تدعي الانتساب إلى الإسلام تؤمن بالله وتكفر برسوله أو تطعن في كتابه الكريم، ورغم ذلك فالناجية واحدة. فما هي إذا تلك السمة التي انفردت بها هذه الفرقة عن سائر الفرق ونالت بها الفوز والنجاة؟ وبالتأكيد أن هذه السمة لا تتوفر إلا في هذه الفرقة دون غيرها، وإلا لما كان اختلاف، ولكانت كل الفرق في الواقع فرقة واحدة، فما هذه الصفة يا ترى؟! وهذا هو أساس البحث والتحقيق الذي نحن بصدده..
إذا لا بد من التعرف على هذه الفرقة بهذه الصفة التي تميزت بها عن سائر الفرق.
يقول الإمام الرازي: (إن النهي عن الاختلاف والأمر بالاتفاق يدل على أن الحق لا يكون إلا واحدا. وإذا كان كذلك كان الناجي واحدا [أي الناجي فرقة واحدة من بين الفرق المتخالفة] (1).