عيسى بقوله أنه جاء ليتم التوراة لا ليبدأ دينا جديدا (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل (1)).
وهنا نجئ إلى السؤال الثاني وهو إلى أين انتهت هذه الديانة.؟ فتقابلنا في الإجابة عنه حقيقة عجيبة هي أن الإنجيل أصبح منذ زمن طويل جسما لا روح فيه، وأن المسيحيين وفي مقدمتهم رجال الكنيسة أنفسهم كانوا أول من أهمل تعاليمه. فقد عاد القسس إلى ما كان عليه الكهنة اليهود من وضع أنفسهم بين الله وبين الناس، فالتعميد والزواج والموت لا بد فيها من حضور ممثل الكنيسة (2).
ويقول عبد الأحد داود إنه من تعاليم الكنيسة أنه مهما تكن أعمال المرء سليمة وتبدو مقبولة، ومهما يكن الإيمان والصلاح مسلما بهما عند الناس، فكل المزايا والفضائل ستبقى بدون ثمرة ما لم تتدخل قدسية القسيس بين المرء وربه، وما لم تبارك يد القسيس هذه الأعمال (3). أما الحب والتسامح فقد حل محلهما البغض والانتقام بل الغيظ والعدوان، وحسبنا ما ذكرناه من قبل عن اضطهاد المسيحيين بعضهم لبعض واضطهادهم لسواهم من غير المسيحيين، ومعنى ذلك أن أثر التعاليم المسيحية كان محدودا في نفوس المسيحيين أو كان معدوما.
وكان التفكير الإسلامي في مسألتي الحب والتسامح عمليا، فقد أوصى الإسلام تابعيه بالحب والتسامح وتكررت في القرآن آيات الحب وآيات التسامح (4)، ولكن الإسلام لم يكتف بذلك بل فرض العدالة، ووضع النظم، فإذا عجز البشر عن اتباع الحب كان عليهم أن يخضعوا للنظم والقوانين العادلة التي فرضها الإسلام، ولكن المسيحية تركتهم للحب