الوحي الذي نزل من الله إلى المسيح، ومن ثم ليس هناك أدنى حرج في نقدها وإخضاعها لمقياس الفكر حتى عند المحافظين الذين يرون أن الواجب أن نخضع للأديان السماوية دون أن نقيسها بمقياس العقل.
وهناك سبب آخر هام يبيح لنا نقد المسيحية، ذلك أن المسيحية جاءت لبني إسرائيل لتصحح أوضاع شاذة عندهم، فقد تكالب اليهود مثلا على المال وحاولوا جمعه بمختلف الطرق، فجاءت المسيحية تدعو للزهد لتكسر حدة هذا الجشع. وكان التحدي والانتقام طابع العلاقة بين طوائف اليهود (الكهنة والفريسيين والآسيين والنذريين وغيرهم (1)). فجاءت المسيحية تقول بالتسامح.
ولو بقيت المسيحية على وضعها هذا أي لو بقيت دينا لبني إسرائيل يدعوهم للزهد ليكسر حدة جشعهم، ويدعوهم للتسامح ليسكر حدة التحدي عندهم لكان ذلك جميلا - لأنها ديانة جاءت في ظروف خاصة ولجماعة خاصة فتلونت بلون خاص، ولكن بولس نقلها إلى العالمية وبقيت في أناجيلها تعاليم الزهد والتسامح فلم يستقم أمرها واضطربت وتعثرت، فلم يكن من الممكن أن تعيش هذه التعاليم، ولم يكن من الممكن أن يعيش الزهد ومحاربة المال في الأحوال الاقتصادية العادية، ولا كان من الممكن أن يظل العالم يقدم الخد الأيسر للمعتدي ليصفعه كما صفع الأيمن، ومن أجل هذا انفض أتباع المسيحية عنها وإن بقي الكثيرون منهم يحملون اسمها.
وفي ضوء هذا التقديم نبدأ بنقد المسيحية نقدا علميا هادئا، وقد سبق لنا أن نقدناها خطوة خطوة فقد كان من الضروري عندما تكلمنا عن ألوهية المسيح أو الكتاب المقدس مثلا أن تستمر فنبدي الرأي في هذا القول، ولكنا هنا نريد أن ننقد المسيحية جملة، وهو ما نأخذ في إيراده فنسأل السؤالين التاليين: