لرعاياهم القيام بحركات مناوئة للكنيسة، فظهر في إنجلترا توماس مور (1478 - 1535) ودعا إلى إصلاح الكنيسة بطريق سلمي، ثم ظهر بعد ذلك (في نفس القرن) أشهر المصلحين وهو مارتن لوثر، وكان ظهوره في ألمانيا موطن العقل الكبير والتفكير الحر، وكان لوثر عالما باللاهوت ولذلك نجد أنه تجمع له ما لم يتجمع لسواه، فحركته نابعة من قبله وليست بتوجيه ملك أو إيعاز أمير وهو رجل ألماني مستقل العقل حر التفكير، ثم هو من رجال اللاهوت، فهو عليم بخبايا الكنيسة دارس لعلومها وكان لوثر - بالإضافة إلى دراسته للاهوت - شديد الورع يحصي على نفسه سيئاتها ويبالغ في تقديرها، وتضطرب نفسه خوفا منها، وحج إلى روما رجاء أن يزيده قربه من الأماكن المقدسة صلاحا ويبعده عن السيئات، ولكنه هناك وجد ما أزعجه، إن هذه الذنوب التي أثقلته يستطيع الكاهن أن يعفيه منها بصك يشتريه، يا الله!! كيف هذا؟ كيف ينجو القاتل من العذاب بصك يشتريه؟ وكيف تمحى سيئات السارق وقاطع الطريق وآكل حقوق الناس إذا أراد الكاهن ذلك دون نظر إلى المعتدى عليهم ودون نظر إلى الله خالق الكون، ورأى لوثر كذلك في روما ما قلل مكانة رجال الدين عنده، وعاد إلى ألمانيا فلاحقته صكوك الغفران إذ كان البابا (ليو) يريد أن يعيد بناء كنيسة بطرس واحتاج للمال فقرر أن يحصل عليه من بيع هذه الصكوك، فأرسل أحد حامليها فيمن أرسل إلى ألمانيا، فثار لوثر لذلك وكتب احتجاجا علقه على باب الكنيسة، فطلبته الكنيسة لمحاكمته أمام محاكم التفتيش فلم يذعن فأصدرت قرارا بحرمانه، وتبعا لذلك أصدر الإمبراطور قرارا بحرمانه من الحقوق القانونية والمدنية، ومعنى ذلك أنه أصبح مباح الدم فقد كل ما يملك، ولكن أحد الأمراء حماه.
وصادفت دعوة لوثر في القرن السادس عشر نجاحا واعتنقها كثير من المصلحين الذين ساروا في طريق لوثر، فأنكروا حق الغفران، والاستحالة، ووقف فهم الكتاب المقدس على الكنيسة، وما شابه ذلك.