لها بل المصدر الأول الذي أفاض عليها تلك الصورة صار خازنا لها فحيثما طالعته النفس الإنسانية بقوتها العقلية المناسبة لواهب الصور نوعا من المناسبة فاضت منه عليها تلك الصور المستحفظة له حتى كأنه ذكرها بعد ما نسيت ووجدها بعد ما ضلت عنه وغريزة النفس الصافية تنزع إلى جانب القدس في تذكار الأمور الغائبة عن حضرة العقل نزاعا طبيعيا فتستحضر ما غاب عنها ولهذا السر أخبر الكتاب الإلهي * (واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) * حتى صار كثير من الحكماء إلى أن العلوم كلها تذكار وذلك أن النفوس كانت في البدء الأول في عالم الذكر ثم هبطت إلى عالم النسيان فاحتاجت إلى مذكرات لما قد نسيت معيدات إلى ما كانت قد ابتدأت * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * * (وذكرهم بأيام الله) * ثم للنفس الانسانية قوى عقلية لا جسمانية وكمالات نفسانية روحانية لا جسدانية فمن قواها مالها بحسب حاجتها إلى تدبير البدن وهي القوة التي تختص باسم العقل العملي وذلك أن تستنبط الواجب فيما يجب أن يفعل ولايفعل ومن قواها ما لها بحسب حاجتها إلى تكميل جوهرها عقلا بالفعل وإنما يخرج من القوة إلى الفعل بمخرج غير ذاتها لا محالة فيجب أن يكون لها قوة استعدادية تسمى عقلا هيولانيا حتى يقبل من غيرها ما به يخرجها من الاستعداد إلى الكمال فأول خروج لها إلى الفعل حصول قوة أخرى من واهب الصور يحصل لها عند استحضارها المعقولات الأول فيتهيأ بها لاكتساب الثواني إما بالفكر وإما بالحدس فيتدرج قليلا قليلا إلى أن يحصل لها ما قدر لها من المعقولات ولكل نفس استعداد إلى حد ما لا يتعداه ولكل عقل حد ما لا يتخطاه فيبلغ إلى كماله المقدر له ويقتصر على قوته المركوزة فيه ولا يتبين ههنا وجود التضاد بين النفوس والعقول ووجوب الترتب فيها
(٢٥)