ثم إن النباتية تطلب الغذاء طبعا والحيوانية تطلب الغذاء حسا والإنسانية تطلب الغذاء اختيارا وعقلا ولكل نفس منها محل فمحل النباتية الكبد ومنه مبدأ النمو والنشوء وعن هذا جعل فيه عروق دقاق ينفذ فيها الغذاء إلى الأطراف ومحل الحيوانية القلب ومنه مبدأ تدبير الحس والحركة وعن هذا فتح منه عروق إلى الدماغ فيصعد إلى الدماغ من حرارته ما يعدل تلك البرودة وينزل منه من آثاره ما يدبر به الحركة ومحل الإنسانية تصريفا وتدبيرا الدماغ ومنه مبدأ الفكر والتعبير عن الفكر وعن هذا فتحت إليه أبواب الحواس مما يلي هذا العالم وفتحت إليه أبواب المشاعر مما يلي ذلك العالم وههنا ثلاثة أعضاء ممدات لا بد منها المعدة التي تمد الكبد بالغذاء والرئة التي تمد القلب بترويح الهواء والعروق التي تمد الدماغ بالحرارة فإذن التركيب الإنساني أشرف التراكيب فإن فيه جميع آثار العالم الجسماني والروحاني وتركيب القوى فيه أكمل التراتيب فهو مجمع آثار الكونين والعالمين فكل ما هو في العالم منتشر ففيه مجتمع وكل ما هو فيه من خواص الاجتماع فليس للعالم البتة لأن للاجتماع والتركيب خاصية لا توجد في حال الافتراق والانحلال واعتبر فيه حال السكر والخل وحال السكنجبين وكذلك الحكم في كل مزاج هذا وجه تركيب البدن وترتيب القوى الخاصة به وأما وجه اتصال النفس به وترتيب القوى الخاصة بها مما يلي هذا العالم ومما يلي ذلك العالم فاعلم أن النفس الإنسانية جوهر هو أصل القوى المحركة والمدركة والحافظة للمزاج تحرك الشخص بالإرادة لا في جهات ميله الطبيعي وتتصرف في أجزائه ثم في جملته وتحفظ مزاجه عن الانحلال وتدرك بالمشاعر المركوزة فيه وهي الحواس الخمس فبالقوة الباصرة تدرك الألوان والأشكال وبالقوة السامعة تدرك الأصوات والكلمات وبالقوة الشامة تدرك الروائح وبالقوة الذائقة تدرك المطعومات وبالقوة اللامسة تدرك
(٢٢)