ووصولا إلى الكمال فيجب أن تثبتوا في هذا العالم أيضا موجودا ما بالفعل كاملا تاما حتى تصدر عنه سائر الموجودات تعلما ووصولا إلى الكمال قالوا وإنما طريقنا إلى التعصب للرجال ونيابة الرسل في الصورة البشرية طريقكم في إثبات الأرباب عندكم وهي الروحانيات السماوية وذلك احتياج كل مربوب إلى رب يدبره ثم احتياج الأرباب إلى رب الأرباب ومن العجب أن عند الصابئة أكثر الروحانيات قابلة منفعلة وإنما الفاعل الكامل واحد وعن هذا صار بعضهم إلى أن الملائكة إناث وقد أخبر التنزيل عنهم بذلك * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * وإذا كان الفاعل الكامل المطلق واحد فما سواه قابل محتاج إلى مخرج يخرج ما فيه بالقوة إلى الفعل فكذلك نقول في الموجودات السفلية النفوس البشرية كلها قابلة للوصول إلى الكمال بالعلم والعمل فتحتاج إلى مخرج يخرج ما فيهما بالقوة إلى الفعل والمخرج هو النبي والرسول وما هو مخرج الشيء من القوة إلى الفعل لا يجوز أن يكون أمرا بالقوة محتاجا فإن ما لم يتحقق بالفعل وجودا لا يخرج غيره من القوة إلى الفعل فالبيض لا يخرج البيض من القوة إلى صورة الطير بل الطير يخرج البيض وهذا الجواب يماثل الجواب الأول من وجه وفيه فائدة أخرى من وجه آخر وهي أن عند الحنفاء المعقول لا يكون معقولا حتى يثبت له مثال في المحسوس وإلا كان متخيلا موهوما والمحسوس لا يكون محسوسا حتى يثبت له مثال في المعقول وإلا كان سرابا معدوما وإذا ثبت هذه القاعدة فمن أثبت عالما روحانيا وأثبت فيه مدبرا كاملا من جنسه وجوده بالفعل وفعله إخراج الموجودات من القوة إلى الفعل بفيض الصور عليها على قدر الاستحقاق فيلزمه ضرورة أن يثبت عالما جسمانيا ويثبت فيه مدبرا كاملا من جنسه وجوده بالفعل وفعله إخراج الموجودات من القوة إلى الفعل بفيض الصور عليها
(١٤)