وقال الشهرستاني تحت عنوان رأى أنكسيمانس ما نصه ونقل عنه أيضا أن أول الأوائل من المبدعات هو الهواء ومنه تكون جميع ما تكون في العالم من الأجرام العلوية والسفلية قال ما كون من صفو الهواء المحض لطيف روحاني لا يدثر ولا يدخل عليه الفساد ولا يقبل الدنس والخبث وما كون من كدر الهواء كثيف جسماني يدثر ويدخله الفساد ويقبل الدنس والخبث فما فوق الهواء من العوالم فهو من صفوه وذلك عالم الروحانيات وما دون الهواء من العوالم فهو من كدره وذلك عالم الجسمانيات ولعله جعل الهواء أول الأوائل لموجودات العالم الجسماني كما جعل العنصر أول الأوائل لموجودات العالم الروحاني وهو على مثال مذهب تاليس إذ أثبت العنصر والماء في مقابلته وهو قد أثبت العنصر والهواء في مقابلته وعند أحمد أمين ص 24 إذا كان الماء الذي فرضه تاليس أصلا للكون لم يصادف من العقل اطمئنانا لأنه ليس من الشمول بحيث يسع الكون بأسره وإذا كانت مادة انكسمندر التي ليس لها شكل ولا حدود لم تسلم من النقد فقد نهض أنكسمينس واختار مادة ثالثة فيها الشمول الذي ينقص الماء وفيها الصفات التي تعوز مادة انكسمندر ألا وهى الهواء فهو ذو صفات معروفة لا تنكر وهو في نفس الوقت يشيع في كل أنحاء الوجود يغلف الآرض ويملأ في نظره جوانب السماء بل ويتغلغل في الأشياء والأحياء مهما دقت أليست الحياة في صميمها أنفاسا من الهواء تتردد في الصدر شهيقا وزفيرا إذن فهو الجوهر الأول الذي صدرت عنه جميع الكائنات يتكاثف حينا فيكون شيئا ويتخلخل حينا فيكون شيئا آخر والهواء إذا أمعن في تخلخله انقلب نارا فإذا ارتفعت كونت الشموس والأقمار وإذا هو أمعن في التكاثف انقلب سحابا ثمأنزل السحاب ماء ثم تجمد الماء فإذا هو تربه وصخور
(٧)