فوق مرتبته؛ فإنك لو رأيت حجرا يرتفع في الهواء علمت أن راميا رمى به، فليس هذا العلم من قبل البصر، بل من قبل العقل؛ لان العقل هو الذي يميزه، فيعلم أن الحجر لا يذهب علوا من تلقاء نفسه. أفلا ترى كيف وقف البصر على حده فلم يتجاوزه؟ فكذلك يقف العقل على حده من معرفة الخالق فلا يعدوه، ولكن يعقله بعقل أقر أن فيه نفسا ولم يعاينها ولم يدركها بحاسة من الحواس.
وعلى حسب هذا أيضا نقول: إن العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار، ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته...
فأما أصحاب الطبائع فقالوا: إن الطبيعة لا تفعل شيئا لغير معنى، ولا تتجاوز عما فيه تمام الشيء في طبيعته، وزعموا أن الحكمة تشهد بذلك، فقيل لهم: فمن أعطى الطبيعة هذه الحكمة والوقوف على حدود الأشياء بلا مجاوزة لها، وهذا قد تعجز عنه العقول بعد طول التجارب، فإن أوجبوا للطبيعة الحكمة والقدرة على مثل هذه الأفعال فقد أقروا بما أنكروا؛ لان هذه هي صفات الخالق، وإن أنكروا أن يكون هذا للطبيعة فهذا وجه الخلق يهتف بأن الفعل للخالق الحكيم. (1) 3526. عنه (عليه السلام): فنظرت العين إلى خلق مختلف متصل بعضه ببعض، ودلها القلب على أن لذلك خالقا، وذلك أنه فكر حيث دلته العين على ما عاينت من عظم السماء وارتفاعها في الهواء، بغير عمد ولا دعامة تمسكها، وأنها لا تتأخر فتنكشط، ولا تتقدم فتزول، ولا تهبط مرة فتدنو، ولا ترتفع فلا ترى. (2) 3527. عنه (عليه السلام) - لزنديق قال له: أخبرني أيها الحكيم، ما بال السماء لا ينزل منها