ألست أيها الإنسان العظيم عند نفسه في بنيانه، القوي لدى همته في أركانه، مخلوقا من النطفة المذرة، ومخرجا من الأماكن القذرة، تنحط من أصلاب الآباء كالنخاعة إلى أرحام النساء، ثم يأتيك أمري فتصير علقة، لو رأتك العيون لاستقذرتك، ولو تأملتك النفوس لعافتك، ثم تصير بقدرتي مضغة لا حسنة في المنظر، ولا نافعة في المخبر، ثم أبعث إليك أمرا من أمري، فتخلق عضوا عضوا، وتقدر مفصلا مفصلا، من عظام مغشية، وعروق ملتوية، وأعصاب متناسبة، ورباطات ماسكة، ثم يكسوك لحما، ويلبسك جلدا، تجامع من أشياء متباينة، وتخلق من أصناف مختلفة، فتصير بقدرتي خلقا سويا لا روح فيك تحركك، ولا قوة لك تقلك...
فأنفخ فيك الروح، وأهب لك الحياة، فتصير بإذني إنسانا، لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا تفعل خيرا ولا شرا، مكانك من أمك تحت السرة، كأنك مصرور في صرة، إلى أن يلحقك ما سبق مني من القضاء، فتصير من هناك إلى وسع الفضاء، فتلقى ما قدرك من السعادة أو الشقاء، إلى أجل من البقاء متعقب لا شك بالفناء، أأنت خلقت نفسك، وسويت جسمك، ونفخت روحك؟
إن كنت فعلت ذلك وأنت النطفة المهينة، والعلقة المستضعفة، والجنين المصرور في صرة، فأنت الآن في كمال أعضائك، وطراءة مائك، وتمام مفاصلك، وريعان شبابك، أقوى وأقدر؛ فاخلق لنفسك عضوا آخر، واستجلب قوة إلى قوتك، وإن كنت أنت دفعت عن نفسك في تلك الأحوال طارقات الأوجاع والأعلال، فادفع عن نفسك الآن أسقامك، ونزه عن بدنك آلامك، وإن كنت أنت نفخت الروح في بدنك وجلبت الحياة التي تمسكك، فادفع الموت إذا حل بك، وأبق يوما واحدا عند حضور أجلك.