وأبين من هذا الكلام، حين سأل رئيس النصارى أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلا: عرفت الله بمحمد، أم عرفت محمدا بالله؟ فقال (عليه السلام):
ما عرفت الله بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن عرفت محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالله (1)....
فكيف يمكن الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات؟ الجواب هو أن هذه الأحاديث تعبر عن التأثير المتبادل لمعرفة الله ومعرفة أهل البيت، فمن جهة، معرفة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، كما جاء في الحديث أعلاه فرع من معرفة الله، ذلك أن النبوة لا تكتسب معناها إلا بعد إثبات وجود الله، ومن جهة أخرى، ما لم يدع الأنبياء الناس إلى معرفة الله، وما لم يهيئوا أرضية التفكر في براهين التوحيد بين ظهراني الناس، لا يتوجه أحد صوب معرفة الله عز وجل، حينئذ - كما بينا - لا يتسنى نيل الدرجات العليا من معرفة الله إلا عن طريق تعليمات النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وإرشاداتهم.
على هذا الأساس لا تعارض بين الطائفتين من الروايات المشار إليها، أي: في البداية يدعو الأنبياء وأوصياؤهم الناس إلى معرفة الله على أساس البرهان، وبعد أن عرفوا الله سبحانه تدعوهم عقولهم إلى اتباع رسل الله والقادة الربانيين، ويمهد أئمة الدين الأرضية لتعالي الإنسان وبلوغ الدرجات العليا من مراتب معرفة الله.
رابعا: الاستعانة بالله إن التعليم الرابع في السلوك إلى الله هو التضرع إلى الله - جل شأنه - والاستعانة به، وللدعاء في إيصال السالك إلى الهدف طريقية وموضوعية، وتعود طريقيته إلى أنه مصدر توفيق الإنسان للقيام بسائر برامج السلوك، أما موضوعيته فتؤول إلى أنه لب العبادة (2).