لسنا أهل شجاعة وتضحية، وفي المصاهرة لم نجد حظوة، فلم يشأ الله أن يقرن زواجي من بنتا رسول الله بعقب (1)، كما لم نجد عائشة ابنة أبي بكر ولا حفصة ابنة عمر قد رزقتا بوليد تحفظا به صلتهما بآل رسول الله. ولم نحظ بسابقة مشرفة إذ كان كل واحد منا مشركا في مبدئه، ولا تضحية للذب عن دين الله وعن رسول الله في جهاد دون إدبار، أو أمر بمعروف ونهي عن منكر، ولم تكن لنا دراية عن كتاب الله ودينه، وعلم في الفقه، وتضلع في الرأي في عهد رسول الله ليتخذ منا هداة.
فلم يبق لنا إلا اغتنام الفرصة، كما اغتنمها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فكانت كل تلك لنا من الفرص العظيمة التي استبحنا بها ما استبحنا، وكأنها تدوم فمرت وكأنها لحظات خيال خاطرة، وسكرات حالم عابرة مرت سريعة وبقت آثامها.
وأني الآن أقر بكل ما مر، ولكني لم أكن سوى أداة، وما جرمي سوى اتباع أثر أبي بكر وعمر، واتباع سيرتهم، ولست مؤسسا لكل ذلك لا في السقيفة، ولا في الشورى، بل كنت عاطفيا أصبحت ألعوبة الأهواء، ومطية لذوي العداء والاغواء، أسير من يد ليد، مغلوب ومقهور، فلا أكاد أتوب حتى أولاني الشيطان بعصبته وعصبتي، وأثار في ما أنسى مروتي فأعود إلى كبوتي، وأعرض عن توبتي، يزين لي القبيح حسنا، والجميل نتنا، ناسيا ما تعهدت في ذمتي، ومجانبا لمن توددت في توبتي، مكررا طيشي حتى زالت هيبتي، وظهرت للقريب والبعيد زلتي، وأحاطت بي بعد العزة ذلتي، خانني المشاورون، وتجنبني المحاذرون، كنت لرسول الله صحيبا، فوسوس لي الشيطان فملت له حبيبا، وعملت بأمره مجيبا.
فوا أسفاه على دنياي وواحسرتاه على عقباي.