- قوله (رحمه الله): (توضيح ذلك أن حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه... الخ) (1).
تفصيل القول في المقام بالبحث في مقامي الثبوت والاثبات:
أما مقام الثبوت فتحقيقه: أن الشئ ربما يكون ذا مصلحة ملزمة أو غير ملزمة أو ذا مفسدة كذلك فيكون واجبا أو مندوبا أو حراما أو مكروها، وربما يخلو عن كل ذلك فيكون مباحا، فالأحكام الأربعة الأولى بلحاظ طبائع موضوعاتها أحكام اقتضائية، والإباحة من حيث طبع موضوعها لا اقتضاء، ومن البين أن المصالح والمفاسد من حيث طبع موضوعها مقتضيات للأحكام، وإنما تتصف بالعلية إذا لم يمنع عنها مانع، إما لبقاء الشئ على طبعه وعنوانه الأولي، أو لقوة مقتضية بحيث لا يزاحمه مقتضي العنوان الطارئ، وأما المباح فحيث إنه خال عن جميع المقتضيات - أعني المصالح والمفاسد - فنفس خلوه عنها منشأ لترخيص الشارع، إذ كما أن السنة الربانية والرحمة الرحمانية جرت على الايجاب والتحريم والاستحباب والكراهة ارشادا للعباد إلى ما فيه الصلاح والفساد كذلك جرت على الترخيص فيما يخلو عن كذلك ذلك لئلا يكونوا في ضيق منه، وحيث إن الإباحة منشائها اللا اقتضائية فمجرد وجود المقتضي القائم بالعنوان الطارئ ينقلب الحكم إلى ما يناسب المقتضي من غير مزاحمة أصلا.
نعم قد يكون ابقاء الإباحة حتى مع العنوان الطارئ ذا مصلحة أقوى من مصلحة العنوان الطارئ أو مفسدته كما في التسري على المعروف، فإن هذه الإباحة التي لا تزول بالشرط لا يعقل أن تكون ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع، وإلا لما عارضت العنوان الطارئ، بداهة أن العدم لا يزاحم الوجود، بل النقيض ينقلب إلى النقيض بمجرد عروضه عليه.
وعلى ما ذكرنا فجميع الأحكام الخمسة على قسمين: لأنها إما أن تكون مرتبة على موضوعاتها بطبعه وعنوانه مع ملاحظة تجرده عن سائر العناوين لا مع قطع