وهذا التقسيم إنما موجب مقايسة ذات الشئ ومفهومه. وأما بحسب نفس الأمر فكل شئ ممكن إما واجب التحقق أو ممتنعه، لأن علته التامة إما محققة فيجب تحققه وإلا لم تكن تامة، أو غير محققة فيمتنع تحققه وإلا ما فرض علة ليس بعلة وسيأتي بيانه، ولا ثالث لهما بحسب الواقع ونفس الأمر، فحينئذ كل ما خرج عن أحد القسمين دخل في القسم الآخر.
الثاني: إن كل ممكن بالنظر إلى ذاته وماهيته يكون نسبة الوجود والعدم إليه على السواء لا يترجح أحدهما على الآخر، ويستحيل ثبوت الأولوية الذاتية له، سواء كانت بالغة حد الوجوب كافية في الوجود أم لا.
أما الأولى فواضحة للزوم انقلاب الممكن بالذات إلى الواجب بالذات، وأما الثانية فلأن الممكن قبل تحققه وبالنظر إلى ذاته وماهيته ليس بشئ بل هو اعتبار محض واختراع عقلي صرف، فإن ما ليس بموجود ليس محض لا يمكن أن يثبت له شئ حتى ذاته وذاتياته، والأولوية خصوصية وجودية تجعل الماهية أقرب إلى التحقق، وما ليس بموجود - أي معدوم صرف - لا يعقل ثبوت أمر عدمي له فضلا عن ثبوتي ولا يتصور فيه اقتضاء، أي الماهية من حيث هي ليست إلا هي بل في حال العدم ليست هي هي.
الثالث: بعدما لم يكن للممكن اقتضاء ذاتي مطلقا وتكون نسبة الوجود والعدم إليه على السوية، لا بد في تحققه ووجوده من علة مؤثرة، وهي إما أن تسد جميع الأعدام الممكنة عليه أو لا. وعلى الثاني لا يمكن أن يصير موجودا للزوم الأولوية الذاتية وموجودية المعلول بلا علة مؤثرة والترجيح بلا مرجح وهو اجتماع النقيضين. وبعبارة أخرى لو كان لموجوديته ألف شرط ووجد الجميع إلا واحد منها لا يمكن أن يصير موجودا للزوم الخلف، بل مع عدم وجود واحد من شروطه لا يمكن أن يصير أولى