حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ٧٩
بالذات وإلى الممكن بالعرض، والشرور من الممكن بالذات ومنسوبة إليه تعالى بالعرض، فحينئذ يصح أن يقال: كل من عند الله (1)، فإنه لولا الإيجاد والإفاضة وبسط الخيرات لم يكن وجود ولا حد وجود ولا طبيعة ولا ضيقها. ولعل تغيير الأسلوب وتخلل لفظة " عند " في قوله تعالى: * (قل كل من عند الله) * للإشارة إلى المجعولية بالعرض [26].
[26] بعد الفراغ عن بيان توحيد الأفعال، وأنه لا فاعل بالاستقلال إلا الله المتعالي أراد أن يبين كيفية دخول الشرور في القضاء الإلهي بالعرض، مع كون المبدأ هو الخير المحض، خلافا للثنوية القائلين بأن الله تعالى هو فاعل الخير فقط، وفاعل الشر مبدأ آخر سموه " أهرمن " أو شيئا آخر، فقالوا بإلهين اثنين: إله الخير وإله الشر.
وحكي عنهم: أنهم قالوا في توجيه معتقدهم الثنوي: إنا نجد في العالم خيرات وشرور، مثل الأمراض والفتن والمحن والقحط والغلاء والظلم والهرج والمرج ونحو ذلك، ولا يسوغ العقل السليم بمقتضى المسانخة بين العلة والمعلول صدور هذه الشرور عن المبدأ الخير المحض، فلا بد من مبدأ شرير قديم فاعل مستقل لتلك الشرور، فبقولهم بقدم مبدأ الشرور واستقلاله امتازوا عن قول أرباب الشرائع بالشيطان في مذهبهم الباطل هذا، فإن الشيطان ليس قديما بالذات بل هو مخلوق، وليس فاعلا بالاستقلال بل الوجود الإمكاني كله مجعول لله تعالى.
وحيث كان الكلام في المقام عن التوحيد في أبعاده - الذات والصفات والأفعال - مفروغ عنه فالواجب توجيه الكلام إلى البحث عن عويصة دخول الشر في القضاء الإلهي والتيامه مع وحدة المبدأ تعالى:
نقل عن أفلاطون: إن الشر عدم، وقد بين ذلك بالأمثلة، فإن في القتل بالسيف - مثلا - شرا، وليس هو في قدرة الضارب على مباشرة الضرب، ولا في شجاعته، ولا في

1 - النساء (4): 78.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162