بالذات وإلى الممكن بالعرض، والشرور من الممكن بالذات ومنسوبة إليه تعالى بالعرض، فحينئذ يصح أن يقال: كل من عند الله (1)، فإنه لولا الإيجاد والإفاضة وبسط الخيرات لم يكن وجود ولا حد وجود ولا طبيعة ولا ضيقها. ولعل تغيير الأسلوب وتخلل لفظة " عند " في قوله تعالى: * (قل كل من عند الله) * للإشارة إلى المجعولية بالعرض [26].
[26] بعد الفراغ عن بيان توحيد الأفعال، وأنه لا فاعل بالاستقلال إلا الله المتعالي أراد أن يبين كيفية دخول الشرور في القضاء الإلهي بالعرض، مع كون المبدأ هو الخير المحض، خلافا للثنوية القائلين بأن الله تعالى هو فاعل الخير فقط، وفاعل الشر مبدأ آخر سموه " أهرمن " أو شيئا آخر، فقالوا بإلهين اثنين: إله الخير وإله الشر.
وحكي عنهم: أنهم قالوا في توجيه معتقدهم الثنوي: إنا نجد في العالم خيرات وشرور، مثل الأمراض والفتن والمحن والقحط والغلاء والظلم والهرج والمرج ونحو ذلك، ولا يسوغ العقل السليم بمقتضى المسانخة بين العلة والمعلول صدور هذه الشرور عن المبدأ الخير المحض، فلا بد من مبدأ شرير قديم فاعل مستقل لتلك الشرور، فبقولهم بقدم مبدأ الشرور واستقلاله امتازوا عن قول أرباب الشرائع بالشيطان في مذهبهم الباطل هذا، فإن الشيطان ليس قديما بالذات بل هو مخلوق، وليس فاعلا بالاستقلال بل الوجود الإمكاني كله مجعول لله تعالى.
وحيث كان الكلام في المقام عن التوحيد في أبعاده - الذات والصفات والأفعال - مفروغ عنه فالواجب توجيه الكلام إلى البحث عن عويصة دخول الشر في القضاء الإلهي والتيامه مع وحدة المبدأ تعالى:
نقل عن أفلاطون: إن الشر عدم، وقد بين ذلك بالأمثلة، فإن في القتل بالسيف - مثلا - شرا، وليس هو في قدرة الضارب على مباشرة الضرب، ولا في شجاعته، ولا في