قوة عضلات يده، فإن ذلك كله كمال له ليس من الشر في شئ، وليس هو في حدة السيف وكونه قطاعا، فإن ذلك من كماله وحسنه، وليس هو في انفعال رقبة المقتول عن الآلة القطاعة، فإن من كماله أن يكون كذلك، فلا يبقى للشر إلا إزهاق روح المقتول وبطلان حياته، وهو عدمي. وعلى هذا سائر الأمثلة، فالشر عدم.
ثم إن الشرور التي في العالم لما كانت مرتبطة بالحوادث الواقعة مكتنفة بها كانت أعداما مضافة لا عدما مطلقا، فلها حظ من الوجود كأنواع الفقد والنقص والموت والفساد الواقعة في الخارج الداخلة في النظام الكوني، فلها مساس بالقضاء الإلهي الحاكم في الكون، لكنها داخلة في القضاء بالعرض لا بالذات فإن الشرور التي في دار الطبيعة المظلمة كلها من تصادمات الماديات وضيق عالم الطبيعة، وكلها ترجع إلى عدم وجود أو عدم كمال وجود، والأعدام كلها غير متعلقة للجعل، بل المضافة منها من لوازم المجعول وتضائق دار البوار والتصادم.
فالنقائص والشرور من لوازم ذوات المعاليل، من غير تخلل جعل، لعدم إمكان تعلقه إلا بالوجود، فهي مجعولة بالعرض لا بالذات. فالخيرات كلها مستندة إلى الله تعالى دون الشرور، إلا بالعرض كما تبين في كلام الإمام (قدس سره).
وبعبارة: الذي تعلقت به كلمة " كن " الإيجادية وشمله القضاء بالذات في الأمور المكتنفة بشئ من الشر هو تلبس الشئ بالوجود. وأما العدم والشر المكتنف به فليس إلا مستندا إلى عدم قابليته، وإنما ينسب إليه الوجود بالعرض، لمكان نوع من الاتحاد المتوهم بينهما.
وهذا هو المتفاهم من قوله عز وجل: * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * فإن معناه أن الله سبحانه أمره عند إرادة شئ قوله " كن "، فيوجد نفس ذلك الشئ المراد، ويكون ذلك المخاطب بعد استماعه كلام الحق - تعالى شأنه - ممتثلا أمره موجودا.