حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ٧٢
وقالوا: لا مجال للعقل في تحسين الأفعال وتقبيحها وليس في دار الوجود فاعل وسبب غيره، وأما المسماة بالأسباب والعلل فليست أسبابا على الحقيقة، وإنما جرت عادة الله تعالى بارتباط الأشياء بها ظاهرا ولا دخل لها في إيجادها.
وبعبارة أخرى: أن الله تعالى أجرى عادته بأن يوجد الأشياء عقيب تلك المسماة بالأسباب. فالنظر التوحيدي يرى أن كلا من الأسباب والمسببات صادرة منه تعالى ابتداء. وفي ذلك تعظيم الله تعالى وتنزيهه من الشرك والحاجة إلى الوسائط في مقام الإفاضة والإيجاد.
فالفريقان - كما تراهما - في شقاق بعيد، بل كلاهما عمياوان.
أما الجبري: حيث حط الواجب تعالى عن علو مقامه إلى حدود بقعة الإمكان ونسي تنزيهه تعالى ونسب إليه الخسائس والقبائح فهو كافر عميت عينه اليمنى، فسرى عماها إلى عينه اليسرى، فإن النظر الأقوى الذي يدرك به الحقائق كان في الجبري مؤوفا، فسرى آفته إلى النظر الذي يدرك به الأسباب الظاهرة، فصارت عينه اليسرى مؤوفة أيضا.
وأما التفويضي: حيث أخرج الممكن من حده إلى حد الواجب بالذات فهو مشرك وعينه اليسرى عمياء، فسرى عماها إلى عينه اليمنى، فإن نظره إلى الأسباب الظاهرة منقطعا عن رؤية الواحد القهار ومعيته لكل شئ كان مؤوفا، فسرى آفته إلى نظره الأقوى وعينه اليمنى، فصارت عمياء.
وينبغي أن يتنبه: أن في المأثورات عن العترة الطاهرة أنهم - صلوات الله عليهم أجمعين - يطلقون القدرية على الفريقين كليهما، فيناسب المقام ذكر بعض تلك المأثورات مع الإشارة إلى بعض ما فيها من المعارف، بتوفيق من الله تعالى فإنه الموفق المعين:
أما إطلاق القدرية على الجبري: ففي الخبر المشهور كان أمير المؤمنين (عليه السلام) جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، ثم قال له: يا أمير
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162