وقالوا: لا مجال للعقل في تحسين الأفعال وتقبيحها وليس في دار الوجود فاعل وسبب غيره، وأما المسماة بالأسباب والعلل فليست أسبابا على الحقيقة، وإنما جرت عادة الله تعالى بارتباط الأشياء بها ظاهرا ولا دخل لها في إيجادها.
وبعبارة أخرى: أن الله تعالى أجرى عادته بأن يوجد الأشياء عقيب تلك المسماة بالأسباب. فالنظر التوحيدي يرى أن كلا من الأسباب والمسببات صادرة منه تعالى ابتداء. وفي ذلك تعظيم الله تعالى وتنزيهه من الشرك والحاجة إلى الوسائط في مقام الإفاضة والإيجاد.
فالفريقان - كما تراهما - في شقاق بعيد، بل كلاهما عمياوان.
أما الجبري: حيث حط الواجب تعالى عن علو مقامه إلى حدود بقعة الإمكان ونسي تنزيهه تعالى ونسب إليه الخسائس والقبائح فهو كافر عميت عينه اليمنى، فسرى عماها إلى عينه اليسرى، فإن النظر الأقوى الذي يدرك به الحقائق كان في الجبري مؤوفا، فسرى آفته إلى النظر الذي يدرك به الأسباب الظاهرة، فصارت عينه اليسرى مؤوفة أيضا.
وأما التفويضي: حيث أخرج الممكن من حده إلى حد الواجب بالذات فهو مشرك وعينه اليسرى عمياء، فسرى عماها إلى عينه اليمنى، فإن نظره إلى الأسباب الظاهرة منقطعا عن رؤية الواحد القهار ومعيته لكل شئ كان مؤوفا، فسرى آفته إلى نظره الأقوى وعينه اليمنى، فصارت عمياء.
وينبغي أن يتنبه: أن في المأثورات عن العترة الطاهرة أنهم - صلوات الله عليهم أجمعين - يطلقون القدرية على الفريقين كليهما، فيناسب المقام ذكر بعض تلك المأثورات مع الإشارة إلى بعض ما فيها من المعارف، بتوفيق من الله تعالى فإنه الموفق المعين:
أما إطلاق القدرية على الجبري: ففي الخبر المشهور كان أمير المؤمنين (عليه السلام) جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، ثم قال له: يا أمير