وإرسال، إذ شهود المقيد لا ينفك عن شهود المطلق، ويشاهد أن كل مقيد فهو قائم الذات بالمطلق، ويتبع ذلك لزوم الخضوع وعناء وجهه إلى المطلق القيوم، وبطبعه يمس الحاجة إلى التشريع والتكليف.
وهذه المعاني الثلاثة - شهود المطلق، قيام كل مقيد بالمطلق، مسيس الحاجة إلى التشريع - هي التوحيد والولاية المطلقة والنبوة المطلقة، وهذان الأخيران قد اندمجا في التوحيد في الخبر المروي عن الباقر (عليه السلام).
وهذا في أركان الدين.
ثم بالإمعان ترى: أن حكم الفطرة هذا جار في أبعاد الدين كلها من الملكات والأفعال، مثلا في البعد الأخلاقي الذي فيه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ترى نتيجة عجيبة من استعمال الفطرة، فإن المؤمن المستمسك بالفطرة لا يرى غير الحق المتعالي، فلا يبقى عنده موضوع للأخلاق الرذيلة من الجبن والعجب والرياء وغيرها، فهو متخلق بالله ولله على خلاف ما في ظاهر الشرائع وما يقول به الحكيم الأخلاقي من الثواب والعقاب أو محمدة الناس ومذمتهم، ومع ذلك فقد استعملت الشريعة المقدسة تلك الغايات أيضا.
وأما في جانب الأعمال: فقد أحصى جميع ما يتعلق بحياة الإنسان وسعادته من الشؤون والأعمال، ثم نوعها إلى الطيبات والخبائث، فقال: * (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) *.
فإحلال الطيبات وتحريم الخبائث من الفطريات المتفق عليها العقلاء،