وبالجملة: جل أحكام الله تعالى مطابق لمقتضى الفطرة، أي مربوط برفع حجبها وإحياء مقتضاها. والمقصود الأصلي والمقصد الأسنى هو المعرفة والوصول إلى باب الله تعالى، والكل من عناياته على عباده لتخلصهم عن سجن الطبيعة وإرجاعهم إلى مأوى المقربين ومقر المخلصين.
فالتكاليف ألطاف إلهية وأدوية ربانية لعلاج الأرواح المريضة والقلوب العليلة، والأنبياء أطباء النفوس وهو تعالى مربي الأرواح ومخرجها من الظلمات إلى النور ومن النقص إلى الكمال.
بل البرازخ والمواقف في القيامة من عناياته على عباده، لئلا ينتهي أمرهم إلى النار. فلا يزال يخرجهم من مستشفى إلى آخر، كي تشفي عللهم الروحية. فإن لم تشف بتلك الأدوية فآخر الدواء الكي، فلا بد من دخول النار - والعياذ بالله - للتصفية مع الإمكان، وإلا فللقرار. فهي بالنسبة إلى أهل العصيان من المؤمنين لطف وعناية وطريق إلى جوار الله تعالى، وبالنسبة إلى الكفار وأصحاب النار غاية وجزاء، فهم أصحاب النار وبئس المصير وهم ناريون لهبيون مصيرهم النار * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس...) * (1) الآية.
فإن كان بصيغة المعلوم فمعناه: أنه تعالى يباشر إعطاء أجره وجزائه، ولا يوسط أحدا، إكراما للصائم. كما أن الصائم لا يوسط أحدا في صيامه، فإن الصوم في اللغة كما هو بمعنى الإمساك كذلك هو بمعنى الرفقة. ولما ارتفع الصوم على العبادات كلها بنفي المثلية سمي صوما فإنه تألف من النفي الذي لا يطلع عليه أحد طبعا غيره تعالى، فهو أرفع العبادات، فإن الفعل الوجودي لا يتمحض لإظهار