حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ١٦٦
وبالجملة: جل أحكام الله تعالى مطابق لمقتضى الفطرة، أي مربوط برفع حجبها وإحياء مقتضاها. والمقصود الأصلي والمقصد الأسنى هو المعرفة والوصول إلى باب الله تعالى، والكل من عناياته على عباده لتخلصهم عن سجن الطبيعة وإرجاعهم إلى مأوى المقربين ومقر المخلصين.
فالتكاليف ألطاف إلهية وأدوية ربانية لعلاج الأرواح المريضة والقلوب العليلة، والأنبياء أطباء النفوس وهو تعالى مربي الأرواح ومخرجها من الظلمات إلى النور ومن النقص إلى الكمال.
بل البرازخ والمواقف في القيامة من عناياته على عباده، لئلا ينتهي أمرهم إلى النار. فلا يزال يخرجهم من مستشفى إلى آخر، كي تشفي عللهم الروحية. فإن لم تشف بتلك الأدوية فآخر الدواء الكي، فلا بد من دخول النار - والعياذ بالله - للتصفية مع الإمكان، وإلا فللقرار. فهي بالنسبة إلى أهل العصيان من المؤمنين لطف وعناية وطريق إلى جوار الله تعالى، وبالنسبة إلى الكفار وأصحاب النار غاية وجزاء، فهم أصحاب النار وبئس المصير وهم ناريون لهبيون مصيرهم النار * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس...) * (1) الآية.
فإن كان بصيغة المعلوم فمعناه: أنه تعالى يباشر إعطاء أجره وجزائه، ولا يوسط أحدا، إكراما للصائم. كما أن الصائم لا يوسط أحدا في صيامه، فإن الصوم في اللغة كما هو بمعنى الإمساك كذلك هو بمعنى الرفقة. ولما ارتفع الصوم على العبادات كلها بنفي المثلية سمي صوما فإنه تألف من النفي الذي لا يطلع عليه أحد طبعا غيره تعالى، فهو أرفع العبادات، فإن الفعل الوجودي لا يتمحض لإظهار

1 - الأعراف (7): 179.
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162