" اعملوا فكل ميسر لما خلق له " (1) فقال: " إن الله - عز وجل - خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه، وذلك قوله - عز وجل -: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * (2) فيسر كلا لما خلق له. فالويل لمن استحب العمى على الهدى ".
فإن من علم الله أنه سيعمل عمل الأشقياء هو الذي ينتهي أمره إلى الشر وإلى النار وهو الذي تكون طينته من السجين والنطفة التي كانت مبدأه القابلي نطفة خبيثة صلبة كدرة، ولا ينافيان الاختيار والإرادة كما أشار إليه في ذيل الحديث الشريف [42].
[42] ومن مستمسكات القائل بالسعادة والشقاوة الذاتيتين رواية " الشقي من شقى... " إلى آخره، وفي تفسيرها بيانات من العلماء، وقد أعرب عن مغزاها سيدنا الأستاذ الإمام (قدس سره) تارة بأنها كناية عن اختلاف النفوس، وثانية بما يقاربها، وثالثة بخبر " توحيد " الصدوق (رحمه الله) في تفسيرها.
أقول: يمكن أن يبين الحديث الشريف بلسان آخر، وهو أن ما ينسب إلى الماضي والحال من الأمور إما أن يكون موجودا أو يكون معدوما، فالضرورة - الوجوب أو الامتناع - قد أخرجته من الإمكان وحاق الوسط إلى أحد الطرفين، فالباقي على الإمكان من الأمور ليس إلا المنسوب إلى الاستقبال، ولا يتعين الصدق والكذب في الإمكان الاستقبالي، فإن الواقع في الماضي والحال قد تعين طرف وقوعه ولا وقوعه ويكون الصادق والكاذب بحسب المطابقة وعدمها واقعين.
وأما الاستقبالي فهو المترقب في تعين أحد طرفيه من الوجود والعدم. وعلى هذا الإمكان والترقب يقوم الاختيار والسعي والحركات والرجاء والخوف وناموس التعليم والتزكية، إلى غيرها.
وهذا الأمر أيضا بالقياس إلى علومنا المحدودة الغير المحيطة بما في الآزال