الحمد والشكر بالتعرض لأحكام الكثرة وعليه المعول وإليه المشتكى [43].
[43] عمدة المقاصد في المقام هي الإشارة إلى الفطرة وأهم مقتضاها، وينبغي توضيح ذلك بقدر ما يسعني من المجال، ومن الله تعالى شأنه الاستعانة في صدق المقال:
فأقول: الفطرة بناء نوع من الفطر بمعنى الإبداع والخلق، واللفظ منصوب على قاعدة الإغراء، أي إلزم الفطرة، فكما أن الأنواع المخلوقة كل نوع منها مفطورة بمقتضى نوعيتها بفطرة تهديها إلى كمالها وتتميم نواقصها وتهتف له فطرتها إلى جلب منافعها ودفع مضارها، كذلك نوع الإنسان له فطرة خاصة أرقى من فطر سائر الأنواع، وهي تلهمه فجورها وتقواها.
فمقتضى نوعية إبداع الله وفطرته هو كون الله وأسمائه وصفاته غايته ومنتهاه، فمعشوقه حسب فطرته هو الله الذي هو كل الكمال والجمال والتنزه عن كل نقص، فلا تسكن فطرته وقلبه المفطور على ذلك إلا بالله المتفرد بالكمال الغير المتناهي.
وهذا هو المقصود مما ورد من كون المراد بالفطرة هو فطرة التوحيد، كما في المروي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: * (فطرت الله التي فطر الناس عليها) *.
قال: " التوحيد " (البحار، ج 3، ص 277).
وفي الخبر الآخر عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله عز وجل: * (فطرت الله التي فطر الناس عليها) *.
قال: " هو لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلى هاهنا التوحيد " (البحار، ج 3، ص 277).
وتبيين ذلك إجمالا: أن الإنسان بحسب أصل فطرته يدرك بذاته وبالعلم الحضوري نفسه ووجوده، ويعلم عيانا أنه متعين مقيد وأن كل مقيد فهو عن إطلاق