ومنها: مراعاة آداب النكاح والجماع وأوقاتها ورعاية آداب زمان الحمل والرضاع وانتخاب الزوجة والمرضعة، إلى غير ذلك مما له دخالة كاملة في مزاج الطفل وبدنه وروحه. كما أن للمحيط والمربي والمعلم والصاحب والمعاشر والعلوم المختلفة إلى غير ذلك مما يعسر حصرها ويطول ذكرها تأثيرات عجيبة مشاهدة.
وبالجملة: الإنسان بما أنه واقع في دار الهيولى من بدو خلقه بل من قبله حسب اختلاف المواد السابقة إلى زمان انتقاله من هذه النشأة واقع تحت تأثير الكائنات، لكن كل ذلك لا يوجب اضطراره وإلجائه في عمل من أعماله الاختيارية بحيث تعد حركاته لدى العقل والعقلاء كحركة المرتعش خارجة عن قدرته واختياره، ويكون في أفعاله غير مؤاخذ عند العقلاء.
فمن حصل له جميع أسباب التوفيق من لطافة المادة وشموخ الأصلاب وطهارة الأرحام إلى آخر ما ذكرناه وغيرها مما لم نحصها مع من حصل له مقابلاتها في قوة العقل والتميز والاختيار والإرادة وما هو دخيل في صحة العقوبة لدى العقل والعقلاء على السواء، لا هذا مضطر وملجأ في فعال الخير، ولا ذلك في فعال الشر بالضرورة والعيان.
فما هو موضوع حكم العقلاء في جميع الأعصار والأمصار في صحة العقوبة من صدور الفعل عن العلم والاختيار والإرادة بلا اضطرار وجهل وإلجاء حاصل في كليهما بلا تفاوت في ذلك، فباختلاف الطينات لا يختل ركن من أركان صحة العقوبة والمثوبة.
وأخبار الطينة (1) على كثرتها تحوم حول هذه الحقائق أو ما يقرب منها مما لا يضر بما هو موضوع حكم العقل الصريح وكافة العقلاء، وما يكون ظاهره الجبر لا بد من تأويله أو حمله على التقية بعد مخالفته لصريح