وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل، وهذا معنى قول الكثير منهم إقرؤوها كما جاءت، أي آمنوا بأنها من عند الله ولا تتعرضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز أن تكون ابتلاء، فيجب الوقف والإذعان لها، وشذ لعصرهم مبتدعة اتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه، ففريق أشبهوا في الذات باعتقاد اليد والقدم والوجه عملا بظواهر وردت بذلك فوقعوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد وأوضح دلالة، لأن معقولية الجسم تقتضي النقص والافتقار، وتغليب آيات السلوب في التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد وأوضح دلالة أولى من التعلق بظواهر هذه التي لنا عنها غنية.
وجمع فريق بين الدليلين بتأويلهم، ثم يفرون من شناعة ذلك بقولهم: جسم لا كالأجسام، وليس ذلك بدافع عنهم، لأنه قول متناقض وجمع بين نفي وإثبات إن كان بالمعقولية الواحدة من الجسم، وإن خالفوا بينهما ونفوا المعقولية المتعارفة فقد وافقونا في التنزيه ولم يبق إلا جعلهم لفظ الجسم إسما من أسمائه، ويتوقف مثله على الإذن. وفريق منهم ذهبوا إلى التشبيه في الصفات كإثبات الجهة والاستواء والنزول والصوت والحرف وأمثال ذلك، وآل قولهم إلى التجسيم فنزعوا مثل الأولين إلى قولهم صوت لا كالأصوات، جهة لا كالجهات، نزول لا كالنزول، يعنون من الأجسام، واندفع ذلك بما اندفع به الأول ولم يبق في هذه الظواهر إلا اعتقادات السلف ومذاهبهم والإيمان بها كما هي، لئلا يكر النفي على معانيها بنفيها، مع أنها صحيحة ثابتة من القرآن). انتهى.