أما بطلان الأول فلأن الأحيان متساوية في أنفسها وكذلك نسبته إليها متساوية، فيكون اختصاصه ببعضها ترجيحا بلا مرجح، إن لم يكن هناك مخصص خارجي، أو يلزم احتياجه في تحيزه إلى الغير إن كان هناك مخصص خارجي.
وأما بطلان الثاني فلأنه يلزم منه تداخل المتحيزين في الأماكن التي هي مشغولة بالأجسام، وذلك محال.
وأيضا: لو جاز أن يشار إليه بالإشارة الحسية لجاز أن يشار إليه من كل نقطة من سطح الأرض، وحيث أن الأرض كروية يلزم أن يكون سبحانه محيطا بها من جميع الجهات وإلا ما صحت الإشارة إليه، ولما كان تعالى مستويا على عرشه ومستقرا عليه كما تزعمه الوهابية.
وإن كان عرشه محيطا بالسماوات السبع فيلزم من نزوله إلى السماء الدنيا وصعوده منها كما تقوله الوهابية أن يصغر جسمه تعالى عند النزول ويكبر عند الصعود، فيكون متغيرا من حال إلى حال، تعالى الله عما يقول الجاهلون.
وأما ما تمسكت به الوهابية من النقول التي تثبت الإشارة إليه تعالى فهي ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات، فتؤول إما إجمالا ويفوض تفصيلها إلى الله كما عليه أكثر السلف، وإما تفصيلا كما هو رأي الكثيرين.
فما ورد من الإشارة إليه في السماء محمول على أنه تعالى خالق السماء أو أن السماء مظهر قدرته، لما اشتملت عليه من العوالم العظيمة التي لم تكن أرضنا الحقيرة إلا ذرة بالنسبة إليها، وكذلك العروج إليه تعالى هو بمعنى العروج إلى موضع يتقرب إليه بالطاعات فيه، إلى غير ذلك من التأويلات). انتهى.