عليه الصلاة والسلام، وفي ما قصه: أنها لما سمعت صوتا عند الطفل قالت: إن كنت ذا غوث فأغث، فاستغاثت فإذا بجبريل (عليه السلام) فغمز الأرض بعقبه فخرجت زمزم. ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أنها كفرت، كما يزعم الألباني، ولم ينبه أن تلك الاستغاثة منها كفر البتة. وهي تعلم أن صاحب الصوت لن يكون رب العالمين المنزه عن الزمان والمكان.
وهناك أدلة كثيرة بجواز التوسل والاستغاثة وندبهما أفردتها برسالة خاصة أسميتها (الإغاثة بأدلة الاستغاثة) وقد اقتصرت هنا على بعضها، وفيها بيان لمن ألقى السمع وهو شهيد، هذا إذا كان قلبه نظيفا لا يحب رمي عباد الله بالشرك بمجرد مخالفتهم لمزاجه، وأراد اقتفاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وأختم الاستدلال ببيان مسألة هامة جدا وهي استدلال أخير على التوسل والاستغاثة من أحد الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإقرار الباقين من الصحابة له وعلى رأسهم سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وهو ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (2 / 495) حيث قال:
روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح (وصححه أيضا ابن كثير في البداية والنهاية 7 / 92 من طريق البيهقي) عن أبي صالح السمان عن مالك الدار، وكان خازن عمر قال:
أصاب الناس قحط شديد في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له ائت عمر واقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون. إسناده صحيح.
وقد ضعف هذا الأثر الصحيح الألباني بحجج أوهى من بيت العنكبوت في توسله ص (119 - 121) وزعم أن مالك الدار مجهول. ونقل ترجمته من كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فقط، ليوهم قراءه أنه لم يرو عنه إلا رجل واحد وهو أبو صالح السمان، وقد تقرر عند الألباني بما ينقله عن بعض العلماء من غير المتفق عليه أن الرجل يبقى مجهولا حتى يروي عنه اثنان فأكثر.