وإني أود أن أسرد بعض الأدلة من الأحاديث الصحيحة الثابتة عند علماء المسلمين وأئمة الحفاظ والمحدثين، والتي لم تضرها محاولة تلاعب المتلاعبين في الطعن في أسانيدها، وغير ذلك من طرق التلاعب والتدليس التي بينتها، ومثلت عليها في بهجة الناظر في الفصل الرابع.
ولا يعرف الحق كما هو معلوم بالجعجعة وكثرة الكلام، ونفخ الكتب بتكثير عدد الصفحات، وإنما يعرف الحق بالبراهين العلمية، والأدلة الواضحة الجلية، وإن كانت قليلة العبارات، فهي كثيرة التعبيرات والإشارات.
وقد أرشد إلى ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا).
وإني أبدأ بعرض بعض أدلة التوسل ثم أردفها بأدلة الاستغاثة المندوبة التي أرشدت إليها السنة الغراء فأقول:
أدلة التوسل:
1 - حديث الشفاعة المتواتر والمروي في الصحيحين وغيرهما، من أن الناس يتوسلون بسيد الأنام عند اشتداد الأمر عليهم يوم القيامة ويستغيثون به. ولو كان التوسل والاستغاثة من الكفر والشرك لم يشفع النبي للناس يومئذ، ولا يأذن الله له بالشفاعة للمشركين والكفار، على زعم من يكفر عباد الله بالآلاف، ويحاول تهييج العامة والسذج على من أظهر كفر من قال بقدم العالم، المجمع على كفر قائله ومعتقده.
وأيضا لو كان التوسل شركا أو كفرا لبينه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبر أصحابه بحديث الشفاعة. فلما لم يكن كفرا بنص الأحاديث المتواترة كان أمرا مندوبا إليه في الدنيا والآخرة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومن قال إن التوسل والاستغاثة كفر في الدنيا ليس كفرا في الآخرة، قلنا له: إن الكفر كفر سواء كان في الدنيا أو في الآخرة، والتوسل به قبل موته صلى الله عليه وسلم وبعد موته لا فرق. وإن ادعيت الفرق فأت لنا بدليل شرعي مخصص مقبول معتبر.