والأمر الثاني، ما كتبه في رسالة، من سجنه، حيث قال في ص 16:
وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله، إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في.
فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام!
والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه. انتهى.
والذي وصلت إليه أن ابن تيمية لم يغير رأيه في التوسل، ولكنه استعمل عبارات مبهمة ليرضي بها قضاة الدولة والناقمين عليه من الناس!
ومهما يكن، فقد أخطأ ابن تيمية بتحريمه الاستغاثة أيضا، لأنها معناها طلب الغوث أي العون من شخص، وهو لا يعني أن المستغيث به يعبده، فحكمها حكم الاستعانة والنداء والتوسل، بدون فرق!
قال ابن السكيت في إصلاح المنطق / 29 يقال: قد استغاثني فلان فأغثته، وقد غاث الله البلاد يغيثها غيثا، إذا أنزل بها الغيث وقد غيثت الأرض تغاث، وهي أرض مغيثة ومغيوثة.
وقال الراغب في المفردات / 379 ويقال فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع، وفزع له أغاثه. انتهى.
فزعم ابن تيمية أنك عندما تقول (يا رسول الله أغثني) فإنك تعبده من دون الله تعالى! تصور باطل، لأن معنى الاستعانة والاستغاثة لا يعطي ذلك، ولا المستعين والمستغيث ينويه، ولا يعتقده! بل المستغيث كالمتوسل ينويان طلب توسط الرسول إلى الله تعالى، فلا فرق بينهما حتى يحل أحدهما ويحرم الآخر!