ثم إن الله سبحانه ردهم بعد أخذ الميثاق إلى مواطنهم من الأصلاب حتى اجتمعوا في صلب آدم وهي على حياتها ومعرفتها بالربوبية وإن نسوا ما وراء ذلك مما شاهدوه عند الإشهاد وأخذ الميثاق، وهم بأعيانهم موجودون في الأصلاب حتى يؤذن لهم في الخروج إلى الدنيا فيخرجون، وعندهم ما حصلوه في الخلق الأول من معرفة الربوبية، وهي حكمهم بوجود رب لهم من مشاهدة أنفسهم محتاجة إلى من يملكهم ويدبر أمرهم.
هذا ما يفهمه القوم من الخبر والآية ويرومون إثباته، وهو مما تدفعه الضرورة وينفيه القرآن والحديث بلا ريب، وكيف الطريق إلى إثبات أن ذرة من ذرات بدن زيد وهو الجزء الذري الذي انتقل من صلب آدم من طريق نطفته إلى ابنه ثم إلى ابن ابنه حتى انتهى إلى زيد هو زيد بعينه وله إدراك زيد وعقله وضميره وسمعه وبصره، وهو الذي يتوجه إليه التكليف وتتم له الحجة ويحمل عليه العهود والمواثيق ويقع عليه الثواب والعقاب، وقد صح بالحجة القاطعة من طريق العقل والنقل أن إنسانية الإنسان بنفسه التي هي أمر وراء المادة حادث بحدوث هذا البدن الدنيوي، وقد تقدم شطر من البحث فيها.
على أنه قد ثبت بالبحث القطعي أن هذه العلوم التصديقية البديهية والنظرية، ومنها التصديق بأن له ربا يملكه ويدبر أمره، تحصل للإنسان بعد حصول التطورات، والجميع تنتهي إلى الإحساسات الظاهرة والباطنة، وهي تتوقف على وجود التركيب الدنيوي المادي، فهو حال العلوم الحصولية التي منها التصديق بأن له ربا هو القائم برفع حاجته.
على أن هذه الحجة إن كانت متوقفة في تمامها على العقل والمعرفة معا فالعقل مسلوب عن الذرة حين أرجعت إلى موطنها الصلبي حتى تظهر ثانيا في الدنيا، وإن قيل إنه لم يسلب عنها ما تجري في الأصلاب والأرحام فهو مسلوب عن الإنسان ما بين ولادته وبلوغه أعني أيام الطفولية، ويختل بذلك أمر الحجة على الإنسان وإن