قالوا: بلى. قال: يا أصحاب الشمال، فاستجابوا له، فقالوا: لبيك ربنا وسعديك، قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم: رب لم خلطت بيننا، قال ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، ثم ردهم في صلب آدم، فأهل الجنة أهلها وأهل النار أهلها.
فقال قائل يا رسول الله فما الأعمال؟ قال: يعمل كل قوم لمنازلهم، فقال عمر بن الخطاب: إذا نجتهد.
أقول: قوله (ص): وعرشه على الماء، كناية عن تقدم أخذ الميثاق وليس المراد به تقدم خلق الأرواح على الأجساد زمانا، فإن عليه من الإشكال ما على عالم الذر بالمعنى الذي فهمه جمهور المثبتين، وقد تقدم.
وقوله (ص) يعمل كل قوم لمنازلهم، أي أن كل واحد من المنزلين يحتاج إلى أعمال تناسبه في الدنيا، فإن كان العامل من أهل الجنة عمل الخير ولولا محالة وإن كان من أهل النار عمل الشر ولولا محالة، والدعوة إلى الجنة وعمل الخير، لأن عمل الخير يعين منزله في الجنة وإن عمل الشر يعين منزله في النار ولولا محالة، كما قال تعالى:
ولكل وجهه هو موليها فاستبقوا الخيرات. البقرة - 148 فلم يمنع تعين الوجهة عن الدعوة إلى استباق الخيرات، ولا منافاة بين تعين السعادة والشقاوة بالنظر إلى العلل التامة، وبين عدم تعينها بالنظر إلى اختيار الإنسان في تعيين عمله، فإنه جزء العلة وجزء علة الشئ ولولا يتعين معه وجود الشئ ولا عدمه بخلاف تمام العلة، وقد تقدم استيفاء هذا البحث في موارد من هذا الكتاب، وآخرها في تفسير قوله تعالى: كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة - الأعراف - 30، وأخبار الطينة المتقدمة من أخبار هذا الباب بوجه.
وفيه، أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس: في قوله إذ أخذ ربك من بني آدم الآية، قال: خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه، وكتب أجله ورزقه ومصيبته، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة