فقره ومسكنته وسوء حاله. والثاني انكشاف المعنى عن القائل لقوله بما يستلزمه أو تكلمه بما يدل عليه بالالتزام.
فعلى أحد هذين النوعين من القول أعني القول بلسان الحال والقول بالاستلزام يحمل اعترافهم المحكي بقوله تعالى: قالوا بلى شهدنا، والأول أقرب وأنسب فإنه لا يكتفي في مقام الشهادة إلا بالصريح منها المدلول عليه بالمطابقة دون الالتزام.
ومن المعلوم أن هذه الشهادة على أي نحو تحققت فهي من سنخ الاستشهاد المذكور في قوله: ألست بربكم، فالظاهر أنه قد استوفى الجواب بعين اللسان الذي سألهم به، ولذلك كان هناك نحو ثالث يمكن أن تحمل عليه هذه المسألة والمجاوبة، فإن الكلام الإلهي يكشف به عن المقاصد الإلهية بالفعل والإيجاد، كلام حقيقي، وإن كان بنحو التحليل كما تقدم مرارا في مباحثنا السابقة فليكن هنا قوله:
ألست بربكم، وقولهم: بلى شهدنا، من ذاك القبيل، وسيجئ للكلام تتمة.
وكيف كان، فقوله: وإذ أخذ ربك من بني آدم... الآية، يدل على تفصيل بني آدم بعضهم من بعض وإشهاد كل واحد منهم على نفسه، وأخذ الاعتراف على الربوبية منه، ويدل ذيل الآية وما يتلوه - أعني قوله: أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون - على الغرض من هذا الأخذ والإشهاد. وهو على ما يفيده السياق إبطال حجتين للعباد على الله، وبيان أنه لولا هذا الأخذ والإشهاد وأخذ الميثاق على انحصار الربوبية كان للعباد أن يتمسكوا يوم القيامة بإحدى حجتين يدفعون بها تمام الحجة عليهم في شركهم بالله والقضاء بالنار على ذلك من الله سبحانه.
والتدبر في الآيتين وقد عطفت إحدى الحجتين على الأخرى بأو الترديدية، وبنيت الحجتان جميعا على العلم اللازم للإشهاد، ونقلتا جميعا عن بني آدم المأخوذين المفرقين، يعطي أن الحجتين كل واحدة منهما مبنية على تقدير من تقديري عدم الإشهاد كذلك.